من أعظم مداخل إضعاف أي شعب محاولة زعزعة أمنه والعبث في استقراره، فإن الأمن إذا ذهب عمّ الخوف وانتشر الرعب، وتفرغت الكلمة وحل الفقر والجهل فصاروا لا يهنئون بطعام ولا منام، وعلى النقيض فإن الأمن إذا ألقى بظلاله على الناس حفظوا دينهم وأموالهم وعقولهم وتوجهوا إلى إصلاح دنياهم بالبناء والتنمية والرقي بنظرة بعيدة وخطوات راسخة. ولعل أبرز الأسئلة اليوم من قِبَل المؤسسات العامة والخاصة والجماعات والأفراد في ظل ما نشاهده من أحداث مؤسفة تمر بها البلاد وتزداد وتيرتها أحيناً وتخفت أخرى، كيف يمكن أن نحفظ أمننا، وما هو الدور المطلوب منا؟! قبل أن نسأل ما الذي يجب على غيرنا، فنحن نملك ما بأيدينا ولسنا بمسيطرين على الآخرين. أول واجب بعد أن نجانا الله من هذه الأزمة وبعد أن تخطفتنا الرياح وهاجت بنا الأمواج ووصلنا إلى شاطئ البر أن نشكر الله على هذه النعمة العظيمة نعمة الأمان بعد الخوف التي تعادل ما في الدنيا من نعيم، فبالشكر تدوم النعم، وبالكفر ومقابلة نعمة الله بالمعصية بأنواعها كالسماح للخمور وانتشارها وعدم معاقبة متعاطيها ورعاية حفلات المجون والخلاعة تحت مسميات براقة والمجاهرة بمحاربة الله فتنتشر المنكرات وتترك الواجبات تحلّ النقم، يقول الله تعالى: “ وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون”. إن شكر النعم كما يكون بالقلب وباللسان وذلك بالإقرار بأن ما عندنا من خير فإنما هو من عند الله، تكون بسائر الجوارح وذلك بأن لا تصرف إلا لله وأن تطبق عليها شرع الله، فمتى فعلنا ذلك حصل لها الأمن ما لا يحصل لسوانا، وفتح لنا من أبواب الرزق الواسع التي تأتيها من كل مكان. من أسباب الأمن والوسائل التي يحتاج إليها المسلمون لا سيما في أوقات الأزمات والفتن واختلال الأمن رد الأمر في المسائل العظام والحوادث الجسام إلى أولي الأمر من العلماء وأهل الحكمة والرزانة الذين يقيسون الأشياء بمقياس الشرع فإن العلماء هم ورثة الأنبياء الذي يقول الحق ويرأفون بالخلق، وأول وسائل الخذلان الانتقاص منهم وإثارة الناس عليهم وعدم الرجوع إليهم، يقول الله تعالى: “ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا”. ومما يؤسف له أن بعض الشباب يتسرع في نشر الأخبار دون تثبت أو تروي، ويتعاطى معها ويبني عليها الأحكام وتصدر منه التصرفات غير الحكيمة دون مشورة أو رجوع لأهل العلم، فيفسدون من حيث يريدون الإصلاح، وهم لا يشعرون. مما نحفظ به الأمن تطبيق ما شرعه الله من الوسائل الرادعة لمن يحاول بث الرعب وإثارة القلاقل ويعتدي على أموال الآخرين وأنفسهم وأعراضهم، فإقامة الحدود فيها ردع للجناة وزجر للناس، والمجرم إذا لم يعاقب وسبق عفوه عقوبته تجرأ على قطع الطرق وضرب الاقتصاد وتزوير الأخبار وقلب الحقائق، وتهيج العامة.