كتب – جعفر الديري: لم تعد اللوحة التشكيلية مجرد تعبير عن مشاعر وأحاسيس، تضج بها جوانب الفنان، فيعبر عنها بالفرشاة والألون. بل هي أداة من أدوات صنع القرار، إن لم يكن سياسياً فضميرياً -إن جاز التعبير- تدفع بأثر عميق في النفس، إلى التأمل في الماضي والحاضر. إن التشكيليين والفنانين بشكل عام وإن ابتعدوا عن المجال السياسي، لا يزالون مؤثرين، في وجداننا وتوجهاتنا. وإلا فما حقيقة تأثرها بلوحة فنية أكثر من تأثرها بخطبة سياسية؟! ولماذا لا يمل الناس التأمل في لوحة بابلو بيكاسو “الجرنيكا” في حين أنهم لا يطيقون سماع خبر عن حرب وقتل أطفال؟!. إنها قدرة الفنان وموهبته التي تستطيع التواصل مع الناس بهدوء، والعزف على أوتارهم، ومن ثمّ إبراز مثال على ذلك معرض غاليري البارح “تنوعات من العالم العربي” الذي يضم مجموعة من الأعمال التشكيلية لفنانين بحرينيين وعرب. فإن لوحات المعرض، ورغم اعتراف مبدعيها بالقصور عن فعل شيء تجاه ما يحدث من مآس بسبب الربيع العربي، إلا أنها تثير لدينا كثيراً من التساؤلات عن حقيقة ما يحدث وجدوى كل ذلك!. الوجه الآخر لبشاعة القتل إن اختيار الفنان علي خميس مثلاً للونين الأبيض والأسود كان موفقاً؛ فهما مليئان بالدلالات والمعاني، حتى إذا استخدمهما الفنان في رسم جمال الطبيعة، فكيف إذا كان الموضوع يعنى بحالة غير عادية من حرب وقتل؟! أما الفنان أحمد عنان فاختار مفردات؛ الطفولة والطيور والطبيعة. ورغم أنه كثيرا ما يستخدم هذه المفردات، إلا أنه لا يزال قادراً أن يشكل بها نصوصاً صامتة تحكمها أنساق غير لغوية. تكشف الوجه الآخر لبشاعة القتل. ونجد في رسومات محمد المهدي توقاً إلى تخيل الحياة كما يرغب فيها الفنان، إيماناً منه بأنه الأقدر على صنع العالم. وليس من يصنعون آله الحرب. حتى الألوان المستخدمة كاللونين الأخضر والأزرق فيهما إدانة للون الدم. والفنان حامد البوسطة ومنذ أن كسر حاجز الفن التشكيلي التقليدي، وهو يحاول جاهداً تلمس فضاءات أخرى، مستفيدا من إرث والده الفنان الكبير المرحوم عبدالكريم البوسطة. فهو يجهد في إبداع أعمال تشكل تعبيراً إبداعياً تكونه عناصر ليست قابلة للوصف. وليس من شيء أبعد عن الوصف مثل ويلات الحروب!. لكن الأمر يختلف مع خالد الطهمازي، فأنت أمام فنان يعرف تماماً ما يودّ قوله. وتجربته تدل على مبلغ العلاقة التي تربطه باللوحة نفسها، فهو يحاورها ليخرج منها بنمط تعبيري مرئي تغطية دلالات صورية. نكاد نسمع من خلالها صوت بكائه على عالم متمزق. ألوان تملأ القلب رعباً وبالمثل تتحرك الفنانة المصرية جهان صالح ضمن منطقة محفوفة بالمخاطر؛ والألوان التي تستخدمها مريبة مزعجة، وكأننا في حرب؛ لون أصفر متدرج تقبع خلفه أشكال مخيفة، تحاول كسر السطحية التي تغلف العالم، تملأ القلب رعباً من مستقبل لا وجه له. أما النحات خالد فرحان فالوحيد الذي شذّ عن القاعدة، فاكتسب لغة تشكيلية متخصصة، من خلال النحت، محاولا إيجاد مجموعة دلالات لعمل واحد، عبارة عن مزهرية. فإذا تلمست المزهرية، أحسست من خلال النحت ثقلاً لا يتماهى مع حقيقة كونها وعاءً للزهور.