كتب - عبدالرحمن محمد أمين: يعتبر المرحوم إبراهيم حسن كمال، شخصية بارزة ومتميزة في البحرين. وكان من مواليد مدينة المحرق العام 1915، تتلمذ على يد الشيخ محمد الحجازي من أشهر رجال الدين في المحرق خلال عشرينات القرن الماضي. ومنذ بداية حياته مارس العمل الاجتماعي، وعمل سكرتيراً خاصاً لمدير إدارة المعارف سمو الشيخ عبدالله بن عيسي آل خليفة رحمه الله لمدة 30 عاماً متتالية. وقد انتقل إلى رحمة الله تعالى العام 2000، بعد 85 سنة من البذل والعطاء. ونستعرض هنا ملامح من حياته الحافلة بكل جليل من الأعمال... من رواد العمل الاجتماعي كان المرحوم الرئيس الفخري لجمعية البحرين الخيرية، وقد آل إليه هذا المنصب بعد سنوات من الجهد المخلص والعطاء المتواصل؛ حيث كان رئيساً لمجلس إدارة هذه الجمعية الرائدة ومن أبرز مؤسسيها. وهو صاحب فكرة تحويل مغسلة الموتى القديمة بالمحرق إلى مسجد حديث؛ يضم مرافق مختلفة منها خدمة تجهيز الموتى، وأشرف على بنائه عندما تم ذلك بدعم سخي من مؤسسة يوسف بن أحمد كانو؛ ليكون أول مسجد في البحرين يضم خدمات متعددة. وكان صاحب فكرة إنشاء صالات ملحقة بالمساجد للاجتماعات والمناسبات، عندما أشرف على بناء مسجد شيخان الفارسي بالمحرق والصالة التابعة له، مما ترك أثراً طيباً في نفوس أهالي المحرق الذين استفادوا منها كثيراً ولايزالون يستخدمونها في حالات الأفراح والتعازي. وقد بنى رحمه الله مسجداً في المحرق يحمل اسمه، وقام بتمويل كلفة بنائه وتبرع بالأرض التي أقيم عليها، وخلال شهر رمضان المبارك تنصب خيمة كبيرة بجانب هذا المسجد، ليقدم فيها الفطور مجاناً للصائمين في ليالي الشهر الكريم على نفقة الوجيه المذكور، وبإشراف مباشر من أبنائه، الذين أخذوا من والدهم صفاته الطيبة من حب للخير ومواساة للمساكين، فمع تقدمه في السن وعدم استطاعته القيام بما كان يقوم به من قبل من نشاط خيري، وعمل اجتماعي، نجدهم بتوجيه منه قد أشعروا الجميع بأن عمل الخير لن ينقطع من جانبهم بإذن الله. جمعية البحرين الخيرية في العام 1978، فكر نفر من وجهاء البلد النزاعين للخير والراغبين في مرضاة الله ورسوله؛ حيث كانت تعتصر قلوبهم حالة بعض الأسر الفقيرة، وغياب الجهاز المنظم الذي يوصل الزكاة إلى مستحقيها، فتداولوا الأمر فيما بينهم، وقرروا تأسيس جمعية خيرية تقوم بتخفيف وطأة الفقر عن المحتاجين، وتضميد جراح الأيتام والمعوزين، وبلسمة آلام المرضى والمنهوكين لرسم البسمة على شفاههم. وبعد لقاءات واجتماعات مكثفة وضعوا أثناءها أسس العمل ومنهجه، قام وفد منهم بزيارة وزير العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، وقدموا له ثلاث نسخ من النظام الأساسي للجمعية لمراجعته وإبداء الرأي فيه. وفي لقاء آخر مع الوزير، قدم الوفد أسماء المؤسسين العشرة وتباحث معه حول جوانب المشروع وحيثياته. وعلى إثر ذلك صدر قرار وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتأسيس جمعية البحرين الخيرية. أهداف الجمعية تبنت الجمعية العديد من الأهداف التي تصبو لتحقيقها، ولابد من الإشارة إلى أن عمل الجمعية؛ لن يقتصر على تحقيق هذه الأهداف، فقط بل يتجاوزه إلى كل ما يستجد من ظروف ومواقف تستدعي اتخاذ عمل فوري. وتحصل الجمعية على ما تحتاجه لتنفيذ مشاريعها من أربعة مصادر رئيسية: الاشتراكات السنوية التي يدفعها الأعضاء، الهبات والتبرعات والزكاة التي ترد إلى الجمعية، إيراد الحفلات التي تقيمها الجمعية بعد موافقة الجهات المختصة مستقبلاً، الأرباح الناتجة عن استثمار وأموال الجمعية في حدود الشريعة الإسلامية. وينص النظام الأساسي للجمعية على أن كل مواطن من البحرين أو من أبناء دول الخليج أو البلاد العربية له الحق في العضوية، بعد أن يقدم طلباً بذلك لأمين السر، الذي يعرضه بدوره على مجلس الإدارة، حيث يتخذ المجلس القرار النهائي. وتعتبر الجمعية غرساً من غرس إبراهيم حسن كمال، الذي لمس حاجة مجتمعه إلى مؤسسات أهلية رديفة للعمل الرسمي وللمؤسسات الحكومية. وإذا كان الرجال يعرفون بأعمالهم وإنجازاتهم، فقد عرف إبراهيم حسن كمال بإنجازاته وأعماله التي اتسعت لتشمل العمل الثقافي والرياضي والاجتماعي التطوعي. وتنوع اهتمامات الإنسان دليل على سعة عطائه، وعظيم طموحاته. وكان إبراهيم حسن كمال واحداً من هؤلاء الرجال الذين لا يعيشون لذواتهم، بل هو دائماً منكر لذاته مؤثر غيره. لقد غادر مقعده في العمل التجاري ليحتل مقعده في العمل الاجتماعي وهو يعلم أنه يختار الطريق الأصعب، إذا كان العمل التجاري فيه مغريات الكسب والربح؛ فإن العمل التطوعي فيه لذة لا ترتقي إليها لذة، فكم هو سعيد من يوفقه الله تعالى ليكون في حاجات الناس، ويسعى لتخفيف معاناتهم وتجديد آمالهم في حياة سعيدة هانئة. نموذج لروح الحب والخير في غضون السنوات العشر الماضية بدأت جمعيات البر والمؤسسات الخيرة في البلاد العربية؛ تشق طريقها بخطى ثابتة، حتى استطاعت بعون الله وتأييده أن تتغلغل داخل المجتمع وتسهم بإسهامات جليلة. ولعل “جمعية البحرين الخيرية “ خير مثال على ذلك، فقد اتخذت شعارها قوله تعالى (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله..)، مؤكدة بذلك التزامها بالمنهج الإسلامي القويم، مجانبة كل مسلك مشبوه. ورغم حداثة عمر الجمعية، إلا أنها استطاعت بجدارة أن تثبت وجودها على الساحة، وأن تستقطب العدد الكبير من محبي الخير وأن تكسب ثقة الجميع. وعلاوة على ذلك فللجمعية خطة طموحة للإسهام بشكل أكبر في المجتمع، من خلال إنشاء مؤسسات اجتماعية خاضعة لإشرافها المباشر، ومن خلال التعاون الوثيق مع جمعيات البر من داخل وخارج البحرين. في مجال الصحافة أصدر الفقيد الراحل إبراهيم حسن كمال العدد الأول من مجلة صوت البحرين في الأول من أغسطس العام 1950. واهتمت بشؤون الأدب والاجتماع، وعززت الاتجاه القومي في البلاد، حيث صدرت وسط اتجاهين تقاسما الساحة الخليجية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وهما الاتجاه الإسلامي والاتجاه القومي. وقام مثقفو هذه المرحلة بتأسيس الأندية والصحافة، وكانت الصحافة من أكثر الوسائل أهمية في مخاطبة الجماهير، ومعالجة الأحداث المعاصرة ومواجهة التيارات المختلفة. وقد لعبت الصحافة دوراً بارزاً في تشكيل الوعي القومي والاهتمام بالمسائل الاجتماعية والسياسية، وأيقظت في الناس حب العمل. وأصدر الراحل المجلة ومعه نخبة من شباب البحرين، حيث كان مديراً مسؤولاً عنها، والمرحوم محمود المردي كان سكرتيراً للتحرير. وكانت أسرة التحرير مكونة من الأساتذة؛ حسن جواد الجشي، عبدالعزيز سعد الشملان، علي التاجر، عبدالرحمن الباكر، إلا أنها توقفت عن الصدور أغسطس 1954. العمل في مجال التجارة عمل الفقيد الراحل فترة من الزمن في العمل التجاري الحر؛ فافتتح محلات العلم الأخضر، الذي ظل حتى اليوم يؤدي رسالته على أكمل وجه، ويديره أبنائه بكفاءة واقتدار. وكانت تطلعات الفقيد الراحل وطموحاته؛ أكبر من ذلك بكثير، فالتحق للعمل في غرفة تجارة البحرين أميناً للصندوق وسكرتيراً فخرياً للغرفة، وزاول فيها نشاطاً إدارياً متدرجاً حمل عدة مضامين اقتصادية واجتماعية ووطنية، من أجل تحسين أداء الحركة التجارية في الداخل والخارج. مساهماته بغرفة تجارة وصناعة البحرين كان للمرحوم إبراهيم حسن كمال مساهماته المشهودة في غرفة تجارة وصناعة البحرين، وكان أبرزها المشاركة في الدورة التاسعة لمجلس الإدارة لغرفة تجارة البحرين المنعقدة في 10 فبراير 1959، وتم انتخابه لعضوية مجلس الإدارة برئاسة المرحوم يوسف أكبر علي رضا. وفي هذه الدورة؛ تم إقرار إصدار مجلة شهرية من قبل الغرفة، وشكلت لجنة لذلك مؤلفة من إبراهيم حسن كمال وصادق البحارنة وعبدالله الدوي. كما كانت له مشاركات في عضوية وفد الغرفة، إلى اجتماع مجلس اتحاد الغرف العربية، الذي عقد في الكويت في الفترة 14 إلى 18 نوفمبر 1959. كذلك شارك في عضوية وفد الغرفة إلى المؤتمر الاقتصادي لمجموعة الدول الآسيوية والأفريقية، الذي نظمته الهيئة الأفريقية الآسيوية في القاهرة بتاريخ 30 أبريل 1960. وكان له حضوره الفعال من خلال عضويته بوفد الغرفة إلى الدورة العاشرة لمؤتمر اتحاد الغرف العربية، الذي عقد في بيروت 21 نوفمبر 1960. أما فيما يخص المشاركة في الدورة الثانية عشرة لمجلس الإدارة لغرفة تجارة البحرين والتي عقدت في 8 مارس 1965، فقد ساهم بتشكيل لجنة لدراسة الأوضاع الاقتصادية في البلاد، والنظر في مشاكل وشكاوي التجار، وتحديد جلسة خاصة لدراسة الركود الاقتصادي في البلاد. ورفع مذكرة إلى حكومة البحرين لمطالبتها بسن قانون لحماية الوكالات التجارية وحصرها لأبناء البلاد. وكذلك كان من ضمن المجلس الذي اتخذ قراراً بإعادة بحث موضوع إقامة جسر بين البحرين والسعودية مع صاحب السمو أمير البلاد. وفي الدورة الرابعة عشرة لمجلس الإدارة والتي عقدت 30 مارس 1970، فقد شارك ضمن وفد الغرفة للدورة الثانية لمؤتمر غرف تجارة وصناعة إمارات الخليج العربي، التي عقدت في أبوظبي في 15 يونيو 1970. كذلك شارك المرحوم ضمن لجنة الإعداد والتحضير للدورة الثالثة لمؤتمر اتحاد غرف إمارات الخليج المنعقدة في البحرين 22 مايو 1971م. وكانت له مشاركة ضمن وفد الغرفة لزيارة إيران تلبية لدعوة من القائم بالأعمال الشاهنشاهي في الكويت في النصف الأول من أكتوبر 1971. كما شارك المرحوم في الاجتماع التأسيسي للشركة العقارية الوطنية 28 يوليو 1971. وفي الدورة الخامسة عشرة لمجلس الإدارة 28 فبراير 1972، شارك المرحوم في عضوية وفد الغرفة إلى الدوحة لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين الشقيقين في الفترة 4 إلى 7 مارس 1973. وتم تشكيل لجنة مشتركة بين الجانبين، ومثل الغرفة كل من: إبراهيم حسن كمال والشيخ عبدالرحمن بن محمد آل خليفة. كذلك شارك في عضوية وفد الغرفة لحضور الدورة الثامنة عشرة لمؤتمر الغرف العربية التي عقدت في أبوظبي في الفترة 7 إلى 11 أبريل 1973. أما عن الدورة السادسة عشرة لمجلس الإدارة المنعقدة في 22 أبريل 1974، فشارك ضمن وفود الغرفة لزيارة تايوان والصين الوطنية، تلبية لدعوة من مجلس تنمية تجارة الصين الخارجية في الجلسة السادسة والتي عقدت بتاريخ 6 يوليو 1974، حيث قدم المرحوم تقريراً تناول عدداً من الأمور التنظيمية والإدارية الهامة؛ بهدف تحسين الأداء وتسهيل وتوفير مزيد من الخدمات لأعضاء الغرفة. كذلك شارك المرحوم ضمن وفد كبار التجار لتعزية الملك خالد بن عبدالعزيز في وفاة الملك فيصل، والتهنئة بتوليه مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية. روح وطنية عالية كان الفقيد الراحل يتمتع بروح وطنية عالية، وكان لقيام ثورة يوليو في نفسه الأثر العظيم، حيث لم يذكر جمال عبدالناصر باسمه مجرداً، وكان يقرن اسمه دائماً “بالرئيس الخالد” أو “القائد العظيم”، وكان لروح هذه الثورة انطلاقات لا حدود لها في نفسه، وكان واثقاً من أن النصر سيتحقق للعرب جميعاً على يد الرئيس الخالد، وأن ما زرعه عبدالناصر في أبناء الأمة يجنيه اليوم في الأرواح المتوثبة من حوله من أمثال الفقيد الراحل، التي تشرئب أعناقهم لسماع خبر يشفي غليلهم تجاه عدو اعتدى وبغى وظلم ونهب ثورات الأمة. وجاءت صحوة العرب للمآرب الدنيئة التي يسلكها بني يهود وراحوا بحيلهم يتاجرون مع العرب والمسلمين بطرق ملتوية غير مشروعة، وفطن المخلصون الشرفاء لهذه المآرب، فأسرعوا بالمقاطعة لأي بضاعة مشبوهة قد ترد إلى أرض الوطن من إسرائيل، لذا وضعوا حدوداً واشترطوا شروطاً؛ حيث أرسل مساعد مدير الجمارك المرحوم محمد الساعي، إعلاناً إلى الغرفة التجارية يطلب فيه إبرازه لجمهور التجار والمتعاملين مع الغرفة، حيث وصلته تعليمات من المكتب الإقليمي لمقاطعة إسرائيل في البحرين. وعلى غرار ما كانت تفعله البلدان الراقية في تنظيم وتطوير الحركة التجارية إلى الأفضل، كانت لدى الشرفاء المخلصين من أبناء الوطن الغيرة والحس الوطني الأصيل في مواكبة حركات التطور في العالم. هكذا هي المفاهيم السائدة لدى البشر، ولكون الفقيد الراحل أحد المهتمين بتطلعات كل حركة، وبحكم موقعه من الغرفة التجارية في البحرين، دأب على رصد وتسجيل هذه الحركات وانتقاء أفضلها، فواكب حجم التجارة في الداخل والخارج والتطورات التي طرأت عليها والاستفادة من تجارب الدول الأخرى.