كتبت - رنوة العصمي: في عمارة بن مطر بالمحرق، بطول أربعة أمتار وارتفاع أكثر من مترين يقف ما يشبه الجدارية البيضاء كتب عليها بخط اليد.. هذا البحر لي.. هذا الهواء الرطب لي.. واسمي.. وإن أخطأت لفظ اسمي على التابوت...لي..أما أنا.. وقد امتلأتُ.. بكل أسباب الرحيل..فلستُ لي..أنا لستُ لي أنا لستُ لي...أبيات من قصيدة “الجدارية” للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش..تقف أمام الجدارية تقرأها، فيدعوك أحدهم للاقتراب أكثر، حتى يكاد وجهك يلتصق بها، وما أن تلمسها حتى تسمع وقع خطوات تخرج من داخل العمل، وعندما تضع أذنك عليها تماماً كأنك تسترق السمع، يهدر صوت محمود درويش يقرأ عليك الأبيات، فيقفز قلبك، كأنه يحدثك من خلف جدار، وكأن الذي بيننا وبينه هو حاجز يمنعنا من رؤيته فقط، ولا يمنعنا من سماع شعره وكلماته، كأنك تضع أذنك على صدره لتستمع لدقات قلبه في أبيات... درويش الذي كان يعلم بالعمل الفني التفاعلي قبل وفاته، ورغم أنه كان يمزق دائماً مخطوطاته الأصلية بعد نشر القصائد، إلا أنه أعجب بالفكرة وسمح باستخدام هذه المخطوطات الأصلية لتنفيذ العمل، ورحل. العمل فكرة الفنانة والمصممة الفرنسية ماري فرانسواز روي، وينفذ برعاية مركز الشيخ إبراهيم. وتقول ماري فرانسواز روي “التقيت محمود درويش عام 2007، وقد أهدى لي مجموعته الأخيرة قبل رحيله، وقد أعجبت بفكرة قصيدة الجدارية، وأردت تنفيذها بمفهوم الجدارية”. وعن اختيارها للون الذهبي في العمل، تقول “كانت المعلقات قديماً لدى العرب تكتب بماء الذهب وتعلق على الكعبة، لذلك استعنت بالذهبي في العمل”. أما الفنان المسؤول عن الموسيقى والصوت لوك مارتينس، فقال “لم أضع سماعات تتحدث بصوت محمود درويش فحسب، أردت شيئاً أكثر حميمية بين العمل والجمهور، أردتهم أن يقتربوا من العمل، ويلمسوه، أردت أن يكون صوت درويش منخفضاً بعض الشيء حتى يضع المتلقي أذنه على العمل وينصت، هذا التفاعل والقرب كان هاماً بالنسبة لي، ولم أضع فقط صوته وإنما وقع خطواته أحياناً، وزقزقة العصافير، وأشياء أخرى حسب النص”. أما السفير الفلسطيني بالبحرين طه عبدالقادر، فقال “محمود درويش رمز للثقافة الوطنية الفلسطينية ورمز للنضال الفلسطيني، وما تقوم به وزارة الثقافة وعلى رأسها الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، ومركز الشيخ إبراهيم تكريس لرمزية درويش ولما يمثله من ثقافة، تستحق بذلك المنامة أن تكون عاصمة للثقافة العربية”، مضيفاً “هذه بادرة فنية رائعة، ونتمنى أن ننقل العمل الرائع إلى فلسطين لعرضه، على أمل أن نحتفي بإقامة مثل هكذا جداريات مقدمة من البحرين في القدس العاصمة الأبدية لفلسطين”. وأوضح عبدالقادر “انتزعنا حق الاعتراف من اليونسكو بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين بدعم أشقائنا العرب وأصدقائنا في العالم، لذلك فالحفاظ على التراث والثقافة الفلسطينية بهكذا فعاليات وأعمال تدعم النضال الفلسطيني، على أمل أن نحتفل بنقل جثمان الراحل الكبيرمحمود درويش من رام الله إلى مدينة السلام، مدينة القدس العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية”.