^ ليس الذي يجمع المنامة والقاهرة اللغة والتاريخ والمصير المشترك والتاريخ والجغرافيا، بل هناك أيضاً المواقف القومية فيما يجري في البحرين أو مصر من أحداث، هذه المواقف التي تنسجم مع كل رؤية سياسية لكل أحداث الربيع العربي. وكانت البحرين على ثقة أن مصر ستتجاوز كثيراً أحداثها الربيعية لما تتمتع به من اقتدار سياسي. وها هي القاهرة تحتضن على أرضها مؤتمر “البحرين من الأزمة إلى الاستقرار والخطوات الإيجابية والنواقص في مسيرة حقوق الإنسان”، وذلك بحضور نخبة من الحقوقيين العرب وبمشاركة بحرينية وطنية للأستاذ المحامي فريد غازي عضو اللجنة الوطنية المعنية بمتابعة وتنفيذ توصيات تقرير بسيوني، هذا التقرير الذي قبلت به الحكومة البحرينية ومعارضوها وكافة أطياف المجتمع المدني البحريني، في الوقت الذي رفض المؤتمر مشاركة جمعية الوفاق بعد أن رفضت بإدانة العنف الذي تنتهجه على أرض البحرين. وهذا المؤتمر يعني الكثير للبحرين، خاصة أنه يناقش وضعاً بحرينياً تشاركت في صياغته أيد محلية وقوى إقليمية وأيدته بعض الحكومات العربية المرتبطة مصيرياً بالقوى الإقليمية، بينما وقفت القوى الأمريكية والغربية تصب الزيت على النار حيناً وتدعو إلى إطفائها حيناً آخر، وذلك وفقاً لما تقتضيه المصلحة الأمريكية والغربية في ربط الأحداث العربية والخليجية بالمصالح الأمريكية والغربية السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وليس الأمر كما تدعيه به هذه القوى بحقوق الإنسان العربي ولا بتنمية الأقطار العربية سياسياً واقتصادياً. وكان احتضان القاهرة لهذا المؤتمر أحد أدوارها القومية، ويعني أكثر بأنها ترفض التدخل في شؤون شقيقاتها العربية، بل لأنها قطر عربي بارز في السياسة العربية التي تعمل على توفير السُبل لتهيئة وضعاً سياسياً صحياً أفضل لشقيقاتها العربية. وهي تؤمن إيماناً بأن ما يجري في مملكة البحرين لا يتعلق فقط بالإصلاحات السياسية وبالمسار الديمقراطي الذي تنتهجه وبمبادئ حقوق الإنسان، بل إن له مؤثرات كبيرة وكبيرة جداً على سيادة البحرين الوطنية وتحدياً أكبر على صعيد هويتها القومية العربية. لقد أكد تقرير بسيوني على جميع خطوات الإصلاح السياسي وأن التداعيات الأمنية والسياسية قد أثرت كثيراً على منحى هذا النهج، وخاصة بعد أن اتخذت القوى المُعارضة للحكومة نهجاً آخر لا يتفق مع خطوات الإصلاح السياسي، وبروز قوى محلية بدون منهج وطني مُحدد فقط بكونها فصيلاً مُعارضاً لنهج القوى المُعارضة. هذا التناثر السياسي أدى إلى وجود غموض في الرؤى السياسية لأحداث البحرين، وكان لابد من وجود رؤية سياسية واضحة تضع النقاط على الحروف. وإن مؤتمر البحرين في القاهرة هو أحد المنابر والآليات التي يبحث عن حقيقة ما يحدث في البحرين والعمل على إصلاح ما دمرته هذه الأحداث، ولأجل بناء مجتمع ذي نسيج متين لأنفس تتوق لحياة أفضل في وطنها. الأمر أولاً وأخيراً سيكون في البحرين، فالوضع الوطني البحريني يكون حله بحرينياً، وقد تساعد أمنيات وتوصيات المؤتمر، إلا أن السفينة التي تسير في وسط بحر متلاطم الأمواج يكون إنقاذها بحكمة ربانها وبشجاعة ملاحيها. فالبحرين هي السفينة والأحداث هي الأمواج التي تلاطم السفينة.. وأن المؤتمر سواء انعقد في القاهرة أو الخرطوم أو في الدار البيضاء فإن الحل الأول والأخير يكون في البحرين، على أرضها وبسواعد أبنائها، وعلى جميع أبناء البحرين وقيادتها السياسية الالتزام بنهج الإصلاح السياسي وبتوصيات تقرير الدكتور شريف بسيوني، لتكوين خطاب سياسي وطني ديمقراطي إصلاحي، لبناء مجتمع مدني بحريني، مجتمع المواطنة البعيد عن الانقسام الطائفي والعشائري والقبلي، مجتمع الدولة البحرينية العربية المدنية الحديثة، دولة التعايش والقانون. فالأزمة البحرينية ولدت في البحرين وحلها لن يكون إلا بحرينياً، والاستقرار لن يصنعه إلا البحرينيون، وأي نقص في أي جانب من الجوانب سيكمله الالتفاف الوطني البحريني قيادة وشعباً. فالإصلاحات السياسية ومبادئ حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير هي آليات نحو بناء مجتمع ديمقراطي حضاري مدني حديث، وليست آليات لخلق التوتر والاضطرابات والقلاقل، آليات بناء وليست معاول للهدم، أسس للتنمية البشرية والإدارية والمجتمعية لا للتبعية والتخلف، آليات توحد أفراد المجتمع لا تمزقهم وتشتتهم طوائف وقبائل ومذاهب. إن هذه المبادئ وغيرها هي آليات حقيقية للخروج بوطننا البحريني إلى بر الأمان وعز الاستقرار، ووضع أسس الدولة المدنية العربية الديمقراطية