لن نصل إلى نقاط التقاء بين فرقاء المجتمع البحريني طالما بقي المضللون يبعدوننا عن أساس المشكلة، بل سيزداد انقسامنا انقساماً طالما نفى هؤلاء المضللون وجود مشكلة أساساً، سنبقى هكذا كل يغني على ليلاه في منطقته ويستفيد أكثر المضللون من هذا التباعد؛ فهذا سوقهم وهذه بضاعتهم.
إذا كان هناك من هو مهتم فعلاً بإعادة اللحمة الوطنية فالنزول للواقع ومواجهته والاستماع للناس مباشرة هو أفضل السبل، وترك المجاملة جانباً وترك ما تقوله الصحافة بما فيها ما نقولوه نحن جانباً.
إذا كان هناك من هو مهتم فليعمل على توحيد الأرضية التي نختلف عليها بالبدء بفهم ما حصل، والحديث عنه وجهاً لوجه بين الجماعات.
البحرين ما قبل 14 فبراير 2011 غير البحرين ما بعد هذا التاريخ، والعام الماضي هو الزمان وهو المكان الذي نقف عنده ونبحث فيه عن أسباب هذا الانقسام بين الناس، لم نكن منقسمون قبل 14 فبراير 2011 حتى وإن اختلفت مفاهيمنا واختلفت عقائدنا واختلفت مذاهبنا، طوال تاريخنا وأعمارنا بلغت فوق الخمسين ونحن سنة وشيعة، فمذاهبنا ليست عامل فرقة، لم نتسنن الآن ولم نتشيع الآن، لكننا منقسمون الآن، فلا نجامل ولا نطبطب ولا نتجمل.
لم نكن كذلك طوال تاريخنا ولكن الآن الأمر مختلف، لنقر بالمرض أولاً حتى نعالجه، فإلى اليوم يستميت البعض لإخفاء الأعراض والادعاء أن الأمور طيبة ولا شيء بين البحرينيين، وكلها شوية حلول سياسية وتنتهي الأزمة!!
هنا يكمن الخطر في تجاهل هذا الشرخ؛ ففي تجاهله بداية للأزمة وليست نهايتها، فإن كبر جيل على هذا الانقسام دون ردمه ودون معالجته فإننا سنورث أبناءنا ومن بعدهم أحفادنا أكبر أزمة ستتداعى وستتبعها مخاطر ومخاوف تتوالد، ولن تجدوا من بعدها البحرين التي عرفها أجدادنا وآباؤنا.
المسألة ليست ناساً قطعت أرزاقهم وليست ناساً أخذت أرزاق الآخرين غنائم، المسألة ليست شماتة في آلام الآخرين، المسألة ليست مجرد إضراب مشروع، المسألة ليست أطباء يحاكمون لأنهم عالجوا مرضى، المسألة ليست (شوية) رجال أمن بهم بعض الإصابات ويستحقون ذلك لأنهم (مرتزقة)؛ بل المسألة في اختلاف رؤيتنا لكل هذه المسائل عن بعضنا البعض وانطلاقها من منطلقات مختلفة تماماً بل ومتناقضة لبعضها البعض، وترى في كل تلك الأمور رؤية لها أبعاد متناقضة عن الأخرى.
فريق يرى فيما حدث منذ الرابع من فبراير العام الماضي وإلى هذه اللحظة حرباً معلنة وتهديداً لوجوده، وفريق آخر لا يرى فيما حدث إلا أمراً مشروعاً ولا يجب وقفه أو منعه، فكيف ندعي أن أمورنا طيبة؟!
دعوا عنكم التسميات؛ هل مشكلتنا (طائفية) أم مشكلتنا (سياسية) أم مشكلتنا (بطيخية).. هناك مشكلة أم لا؟ هذا هو السؤال؛ هل نحن كما كنا قبل عام؟ هل نحن كأصدقاء وزملاء وجيران كما كنا قبل عام؟
بالنسبة لي لا أعرف المجاملة ولا أعرف الطبطبة، نحن غير.. وكثيرون أصبحوا غير.. ومن كلا الطرفين نرى بعضنا نتعاتب لكن في النفس شيئاً انكسر، مشاعرنا تغيرت.. نفوسنا تغيرت.. بناء من الثقة تحطم وتبعثرت أجزاؤه، كم أتوق لتلك الأيام ولتلك المشاعر الصادقة التي لا تعرف الفرق، كما أتوق لتعليم أحفادي ما علمته لأبنائي..! إنما دون المعالجة والمصارحة والمكاشفة وجهاً لوجه فلن تعود تلك الأيام، طالما ضحك البعض علينا وقال أمورنا طيبة والخط ليس مقطوعاً؛ إنما لم يتصل أحد فسيبقى كل فريق على ضفة بانتظار اتصال الآخر!