ماذا سيقول النواب الأفاضل الذين أوصى تقريرهم بإحالة موضوع مستشفى الملك حمد لديوان الرقابة المالية، إذا علموا أن الديوان حقق لهم هذا الموضوع فعلاً وسلمهم تقريراً عنه في عام 2005، لكنكم وضعتموه في أدراجكم كبقية التقارير؟ يا للمفارقة لقد نبه التقرير إلى منافذ لهدر المال العام في هذا المشروع حتى قبل إنشائه، فقام النواب بوضع التقرير في الأدراج وبعد مرور ستة أعوام شكلوا لجنة تحقيق وخرجوا بأهم توصية هي بإحالة الملف لديوان الرقابة المالية دون أن يفتحوا التقرير الأول. ستة أعوام دخلت الوفاق وخرجت من المجلس النيابي حتى لا يقال إن الخلل في التركيبة الحالية فقط، ولم يقف أي من السادة النواب طوال السنوات الست الماضية عند تقرير ديوان الرقابة المالية الأول! وإنني اعتذر للسادة المشاهدين ولرئيس وفريق عمل ديوان الرقابة المالية، لأنني لم اطلع على تقرير ديوان الرقابة المالية قبل إعدادي للحلقة التلفزيونية التي تناولت فيها تقرير المجلس النيابي عن مستشفى الملك حمد، والذي بين في الصفحات 210 وما لحقها مشكلة المشاريع الحكومية بشكل عام، بل ويا للمفارقة اتخذ مستشفى الملك حمد تحديد نموذج وبين أوجه خلل وقصور الخطوات التي تمت في ذاك الوقت، أي حتى قبل بدء إنشاء المستشفى وتنبأ بالأخطاء التي ستجرها تلك العشوائية في الحكومة كواحدة من أهم الثغرات في مسيرة تخصيص ميزانية المشاريع. بالحرف اقتبس هنا من صفحة 211 عن المستشفى “.. وبالرغم من أن الكلفة التقديرية للمشروع تجاوزت الميزانية المعتمدة له، إلا أنه لم يتضح حتى الآن كيف سيتم تنفيذه، هل سيتم تغيير نطاقه أو مواصفاته لتتناسب مع الميزانية المتوافرة أم سيتم زيادة الميزانية في دورات الميزانية القادمة. علماً بأنه لم يتم استخدام سوى 20% من ميزانية المشروع لعام 2004 الأمر الذي يعكس إما عدم واقعية التدفقات النقدية أو أن المشروع يواجه مشاكل في تنفيذه، ولم نتمكن من التحقق من ذلك لعدم وجود أية تقارير لدى إدارة المشاريع بهذا الخصوص” انتهى الاقتباس. تذكروا هذا الكلام 2004 ولم يحرك النواب ساكناً. بل ونبه تقرير 2004 الذي يقبع في حضن النواب في الصفحة رقم 213 إلى خلل آخر في نظام تنفيذ المشاريع بعدم التزام الوزارات بتقديم دراسات جدوى متكاملة للمشاريع المقترحة، وهذا هو نص رد ديوان الرقابة المالية على الخلل الموجود في وزارة المالية “يتضح من رد وزارة المالية بأنه لا يتم عمل دراسات جدوى لكافة المشاريع وأن طبيعة وحجم ونطاق المشاريع متغيرة من خلال فترة تنفيذها (التغيرات التي طرأت على مستشفى الملك حمد ومشروع الأندية النموذجية مما يتعارض مع الغرض من إعداد دراسة الجدوى التي يجب أن تشمل كافة جوانب المشروع حتى يسهل تقييمه واتخاذ قرار بشأنه..)” انتهى الاقتبـــــــــــــاس. ماذا فعل النواب للوزارة المالية؟ الخلل إذاً ليس في اختيار شركة لا تصلح فقط، والخلل ليس في وجود أشخاص ممكن أن يستغلوا موقعهم، الخلل في منظومة عمل تسمح باختيار غير الأصلح وهذا الذي كان على النواب التنبه له منذ عام 2005 وتغييره وهم يملكون كل الصلاحيات. الخلل الأعظم هو في نواب أهملوا تقرير 2004 وجاؤوا في 2011 بإعادة الموضوع إلى ديوان الرقابة المالية من جديد، لذلك فإن إصلاح الخلل لا يكون بتغير فلان محل فلان أو السؤال لم اخترت هذه الشركة ولم تختر الأخرى؟ أو حتى إحالة المفسدين إلى النيابة العامة لأنه سيأتي آخرون فاسدون وسيستغلون نفس الثغرات. فالخلل ليس في وزير الأشغال أو في وزير المالية، الخلل في نظام منح الوزارة المعنية بالتنفيذ صلاحيات واسعة في تحديد العطاء دون أن يكون هناك رأي لبيوت الخبرة مسانداً أو معارضاً لرأي الوزارة مما يتيح فرصة للفساد أو للهدر. الخلل في مجلس المناقصات الذي يترك الخيار للوزارة المعنية وحدها لتقرر، كما يترك للجان وأشخاص غير مؤهلين لاعتماد المواصفات والمعايير، الخلل في عدم الاستعانة باستشارات جدوى تعطينا أكثر من رأي حتى لو احتجنا أن نصرف على هذه الجهات وبيوت الخبرة مئات الآلاف، فالأمر يستحق لأنها ستوفر لنا بالمقابل مئات الملايين، كما هو الحال في المجلس النيابي حين (تباخل) أعضاؤه عن صرف مبالغ للاستعانة بخبراء وتركوا المهمة لوزارة المالية لتستعين بشركة خاصة لتدقق على نفسها، وكأن مال وزارة المالية ليس مالاً عاماً!! ومثلما هناك خلل في إدارة المشاريع في وزارة المالية؛ هناك خلل في هيكلية الشؤون الهندسية في إدارات المشاريع في الوزارات أدى إلى اعتماد مبالغ مالية ضخمة بعشرات بل مئات الملايين دون تدقيق ودون اعتماد ضمانات وآراء خبراء، أليست هذه كلها أبواب فساد وهدر تركت مفتوحة على مصراعيها؟ في مستشفى الملك حمد أخطاء و تأخير وعدم تدقيق وانفراد بالرأي وعدم وضوح رؤيا وقصور بالاستعانة بالخبرات، لكن أليست هذه سمة المشاريع الحكومية كلها؟ ألم ينبهكم ديوان الرقابة المالية إلى ذلك منذ عام 2005؟ الخلل إذاً في رقابة برلمانية ضعيفة تسرعت في غلق ملف من أهم الملفات وضيعت فرصة ثمينة وهدرت وقتاً أثمن. والأدهى أن لجنة التحقيق البرلمانية التي تحقق في أوجه الهدر والصرف أغلقت ملف المستشفى بعد أن قالت “فشلت وزارة الأشغال فشلاً ذريعاً” وحتى هذه اللحظة لم تكلف نفسها بالشرح لا للرأي العام عن أوجه صرف المبالغ المالية الكبيرة بعد أن خرج المستشفى من يد وزارة الأشغال. آمنا بالله.. وزارة الأشغال “بنت كيت وكيت” إنما لم لم يهتم التقرير بتزويدنا كرأي عام عن أسباب دفع 70 مليون دينار لقوة الدفاع تكفي لبناء مستشفى جديد وتجهيزه كي تصرفه على ذات المستشفى؟ فمن بعد تسلم قوة الدفاع استمر الطلب على مبالغ الصرف حتى بلغت آخر رقم (130 مليوناً) وهو المبلغ الذي كرره السادة النواب أكثر من مرة دون أن يخبرونا أو حتى يحققوا كيف؟ ولماذا؟ وأين سيصرف؟ فهل اعتمد النواب على أن فلاناً (لا يكذب) لا داعي لتحقيق في عمله، علاناً (ممكن يكذب) ابحث عن إدانته؟! أم أن أوجه الهدر هي التي تركت مفتوحة ليخرج فلان ويأتي علان وكأنك يا بو زيد ما غزيت. علينا كإفراد وكمؤسسات أن نقر جميعاً بقصورنا ونتحمل مسؤولية استمرار هذه الآلية الضعيفة في الصرف وتلك الآلية الضعيفة في الرقابة، إذ إن النص الدستوري والديمقراطي أعطانا كل الأدوات لمعالجة هذا الخلل ولكننا فشلنا.. اللهم اغفر لنا ونستميحك عذراً يا وطن.