^  حرية التعبير المكفولة بموجب الدستور البحريني تستوجب التطرق لقضايا مهمة تشكل خطراً حقيقاً على مستقبل الوطن، وهي قضايا الفساد الإداري والمالي التي لا تقل خطورة عن القضايا الأخرى التي يعاني منها مجتمعنا، بل تكاد تكون هي الأزمة الحقيقة التي يجب إيجاد آلية فعّالة لمعالجتها بشكل جذري، لذلك على الإعلام الذي من المفترض أن يشكل الرأي العام ورؤيته للقضايا التي تواجه المجتمع، أن يلعب دوراً رئيسياً في نشر الثقافة السياسية ودفع الأفراد إلى الاهتمام بالشؤون السياسة وخطط المجتمع التنموية بإبراز قضايا الفساد على أنها قضايا مهمة وتستحق ردود فعل الحكومة. يجب على الإعلام العمل من أجل التعريف بهذه القضايا وتهديداتها بما يحقق وعياً جماهيرياً بضرورة القضاء على هذه الممارسات البشعة، وبما يدفع نحو تفعيل حقيقي للقوانين الخاصة بمثل هذه القضايا. وبما أن قضايا الفساد الإداري والمالي المتفشية -بكل أسف- في مجتمعنا الصغير تهدد الرؤى الاستراتيجية للبلاد، وبما أن أحد هذه القضايا هي حديث وسائل إعلامنا الحالية، فقد آن الأوان أن تعود الأمور إلى نصابها الحقيقي، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان العواقب التي من الممكن أن تتشكل كنتائج لحالة التسيب واللاتنظيم في مراقبة الكيفية التي ُتدار بها المؤسسات في القطاع الحكومي تحديداً. الفساد الإداري والفساد المالي كالسرطان الذي ينخر في المؤسسات مخلفاً وراءه آلاماً مادية ومعنوية تنعكس سلباً على بيئة العمل وقدرتها على الإنتاج وفقاً للأهداف المرجوة. الفساد الإداري والمالي يعني استغلال المنصب واستغلال العلاقات الشخصية و سوء إدارة للموارد المالية والموارد البشرية بما يعكس فساداً أخلاقياً لا يضع أي اعتبار لحجم المسؤوليات والأمانات! الفساد الإداري والمالي دون رقيب أو حسيب يسمح لأصحاب المناصب بتعطيل مصالح الناس وإدارة العمل حسب أولويات أصحاب تلك المناصب، يعطي الضوء الأخضر للنهب والاستيلاء على أموال الدولة ولاستمرار الواسطة كأساس للتوظيف والترقيات والتدريب وحتى التكريم! الفساد الإداري والمالي يوجد أشخاصاً غير أكفاء في مناصب لا يستحقونها ويدفع إلى هجرة الكوادر الوطنية، الأمر الذي أوجد نظاماً مختلاًً للمناصب الإدارية داخل بعض المؤسسات وتحديد رواتب لبعض الموظفين على حسب معايير ذاتية وشخصية لا حسب المعايير التي أبسطها مراعاة المؤهل العلمي والخبرة العملية. الفساد الإداري والمالي أوجد حالة من الشعور بالظلم تكتظ بها مؤسساتنا الوطنية وأصبح حديثاً رئيسياً لأغلب الموظفين في مكاتبهم وفي أروقة مؤسساتهم. الفساد الإداري والمالي أثبط عزيمة الكثيرين ورفع من قدر موظفين على حساب آخرين أكثر استحقاقاً! الفساد الإداري والمالي أوجد نماذج إدارية جديدة تخلو منها كتب الإدارة لأنها تسقط كل النظريات وتضرب نتائج الدراسات السابقة والحديثة في هذا المجال! أزمة البحرين الحقيقية هي تلك المتعلقة بقضايا الفساد الإداري والمالي. وجود من لا يخاف الله في مسؤولياته هي التي شكلت ثغرات حقيقية استغلها المتآمرون على الوطن للنخر في مفاصل الدولة بكل طريقة. غياب القانون الذي يحاسب ويردع ليكون المفسدون عبرة لغيرهم هي أهم قضية يجب الالتفات لها فوراً وإلا أصبحنا عرضة لأزمات أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية تتعقد بها الحياة ويصعب معها التطوير والتنمية والاستدامة التي تستهدفها الدولة عبر خططها ورؤيتها الاستراتيجية. إن التأجيل المستمر أو غض النظر عن محاسبة المتسبب في كل قضايا الفساد من باب المجاملة أو المصلحة هي جريمة أخرى ترتكب بحق الوطن، بل هي مشاركة فعلية في هدمه! فلا تتجنوا وتتآمروا على وطنكم الذي أعطاكم الكثير، لا تلوّنوا أنفسكم بعبارات وشعارات وطنية أمام وسائل الإعلام وتمارسوا الإدارة الفاسدة في مؤسساتكم. اتقوا الله وتذكروا يوماً لا تنفع فيه الحسرة! إنها مسؤولية الجميع، إنه دور المجلس الوطني والجمعيات السياسية والمهنية والموظفين وحتى المواطنين في الكشف والمطالبة بالملاحقة القانونية لمن يتورط في قضايا الفساد الإداري والمالي، بعد أن أصبح أمراً ملحاً في ظل الحقائق والأرقام المخيفة المثبتة في تقارير ديوان الرقابة المالية، إضافةً إلى كمّ القضايا التي ظهرت إلى السطح بعد أزمة 14 فبراير 2011 والتي كشفت أن مشكلة البحرين الحقيقية هي وجود أشخاص في مناصب لا يستحقونها، هذه المناصب كانت ومازالت بالنسبة لهم فرصاً ذهبية تمكنهم من استغلاها بطريقة بشعة لجرائمهم بحق الموظفين، بحق المال العام وبحق الوطن. “المصلحة العامة” تقتضي النظر إلى قضايا الفساد الحالية والكشف عن المختبئة منها في مؤسسات وطنية أخرى، من أجل الخروج من دائرة الأزمة! ^ آخر السطور.. «لا يغرق المرء لأنه سقط في النهر، بل لبقائه مغموراً تحت سطح الماء” (باولو كويلو)