^ بات مألوفًا لكل عربي أن يسمع ويحصي أعداد القتلى والجرحى من الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي المتكرر ضد الأراضي الفلسطينية، وكان آخرها حتى الآن سلسلة من الغارات الإسرائيلية ضد غزة بدأت في التاسع من شهر مارس الجاري باغتيال الأمين العام للجان المقاومة الشعبية زهيرالقيسي واستمرت أربعة أيام أوقعت خلالها 25 قتيلاً ونحو 80 جريحاً فلسطينياً. ورغم أن هذه الغارات الوحشية ليست الأولى من نوعها ولن تكون بالتأكيد الأخيرة؛ إلا أنها حملت دلالات كثيرة منها؛ أنها استندت إلى ذات الأرضية المشجعة والبيئة المحفزة على العدوان والعجرفة الإسرائيلية، ونقصد بذلك العجز العربي الواضح والصمت الدولي الفاضح، كما إنها عكست انتهازية إسرائيلية واستهتاراً بالغاً بالأرواح البشرية والقيم الأخلاقية والقواعد القانونية. لا يمكن أن نلوم عدو محتل على حسن استغلاله لبيئة إقليمية ودولية مساعدة على تنفيذ أهدافه الإجرامية وميوله العدوانية وسياساته اللاأخلاقية، فقد اختار الكيان الصهيوني توقيتاً مثالياً لشن هذه السلسلة من الغارات غير المبررة باعتراف الإعلام الصهيوني نفسه، الذي أرجع هذه الغارات المخططة سلفاً إلى الرغبة في تجربة منظومة “القبة الحديدية” التي وضعتها إسرائيل قبل فترة والتأكد من قدرتها على اعتراض كل الصواريخ الموجهة إلى المناطق الإسرائيلية الآهلة بالسكان. قطعاً هناك أهداف دائمة للغارات والاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية من بينها تصفية قادة المقاومة الفلسطينية، وإفشال أي جهود للمصالحة الفلسطينية وإدامة الحصار المفروض على غزة، فقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بالقول :« إن استمرار الصواريخ يقبر أي احتمال في المستقبل لربط قطاع غزة بالضفة الغربية المحتلة ما دامت حماس تسيطر على القطاع، وأن الفلسطينيين حكموا على أنفسهم بعزلة يبدو أنها ستدوم أجيالاً”. فحركة حماس الأكثر تنظيماً وقدرة على المقاومة تعيش وضعاً صعباً في هذه المرحلة، وتعيد ترتيب أوراقها في ظل التغيرات الحاصلة حالياً وبعد خروج بعض قادتها من سوريا وانفصال الحركة رويداً رويداً عن حلفائها السوريين والإيرانيين والبحث عن حلفاء وداعمين آخرين بما يجعلها قادرة على الاستمرار في مقاومة العدو المحتل. أما الحكومات العربية فهي تبدو منشغلة بالأزمة السورية أو هكذا تحاول الظهور أمام الجماهير الساخطة لما يجري من سفك للدماء وقتل للأبرياء على أيدي نظام بشاري أسدي فاسد بلغ في العنف مداه وفي القمع منتهاه. ولا يختلف حال المجتمع الدولي عن العالم العربي من انشغال “وهمي” بالأزمة السورية ومحاولات “صورية” لوضع حد لها ومراوغات ومماطلات تؤكد أن عالم اليوم بات خالياً من القيم الإنسانية والقواعد الأخلاقية. وبعد أن ظهرت إسرائيل وكأنها حمل وديع مستهدف من إيران وبرنامجها النووي، إذ بهذا الحمل يتحول إلى نمر ووحش كاسر بعد أن أسكت الحليف الأمريكي المخلص وضمن تأييده على فعل ما يراه مناسباً كي يشعر بالطمأنينة التامة في وسط هذه “الغابة” التي تتربص به. لذا، لم يكن غريباً أن يتسم السلوك الإسرائيلي بالغطرسة المتناهية التي بدت واضحة في نفيها الالتزام بوقف الاغتيالات حتى بعد التوصل إلى هدنة شاملة في قطاع غزة توسطت فيها مصر، بل وتلويحها بشن عملية برية في غزة في حالة واصلت المقاومة الهجمات الصاروخية، أو كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فإن”إسرائيل ستضرب أي شخص يهاجمها أو يخطط لمهاجمتها”. واللافت أن إسرائيل وهي الطرف المعتدي الآثم بادرت بدعوة مجلس الأمن الدولي إلى التحرك لوقف إطلاق الصواريخ من غزة، وانتقدت ما اعتبرته تقصيراً في الرد الدولي على إطلاق الصواريخ من غزة، داعية إلى اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين. هذا في الوقت الذي كان الرئيس الفلسطيني يبحث مع الأمين العام لجامعة الدول العربية “إمكانية” التوجه لمجلس الأمن لوقف التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة. لقد تفوقت إسرائيل في قلب القضية وتحويل الجاني إلى ضحية في ظل صمت وعجز عربي غير مفهوم وتواطؤ دولي مخطط ومرسوم. الخلاصة؛ إن ما يجري في غزة تحديداً والأراضي الفلسطينية بصفة عامة لا يقل سوءاً عما يحدث في سوريا من قمع وتنكيل وعنف وتدمير. وكما تطالب بعض الدول بتسليح المعارضة السورية لتمكينها من مقاومة بشار ونظامه ،فإن المقاومة الفلسطينية هي الأخرى في أمس الحاجة لهذا الدعم العربي معنوياً وعسكرياً، خصوصاً بعد أن بات واضحاً أن المقاومة هي الخيار الأقوى، بل والوحيد، في مواجهة التطرف والغطرسة الإسرائيلية، وهي التي تجبرها وترغمها على إنهاء التصعيد وفرض الهدنة، فالمقاومة ما زالت قادرة على خلق نوع من الردع مع العدو الإسرائيلي الغاصب الذي لا يقيم وزناً لأي عهود ولا يحترم مطلقاً أي مواثيق أوعقود