^ لا أعتقد أن هناك من بين الصحافيين والكتاب والإعلاميين في ساحتنا المحلية من ينادي بتقييد حرية التعبير عبر وسائل الإعلام المختلفة سواء التقليدية منها أو الحديثة؛ لأن ذلك يتناقض مع طبيعة العمل الصحافي والإعلامي الذي يتطلب وجود مساحة كبيرة من الحرية تساعد الصحافي والإعلامي على التحرك في كشف المستور، وإظهار الحقيقة وإبرازها من دون زيادة أو نقصان وفي الوقت ذاته يساعد الكاتب على إبداء وجهة نظره إزاء القضايا الساخنة التي تثير جدلاً في الأوساط السياسية والإعلامية من دون توجس أو خوف يترتب على ما يكتبه، وبسببه قد يتعرض للمساءلة والمحاسبة. في الحالة البحرينية نجد أن حرية التعبير مكفولة للجميع بموجب الدستور وميثاق العمل الوطني. ومع الانفتاح الإعلامي الذي ساد أجواء البحرين بفضل المشروع الإصلاحي تنفس الكتاب والصحافيون والإعلاميون عبير الحرية الأمر الذي شجعهم على إزالة بعض الحواجز التي تمنعهم من تناول بعض القضايا والمشكلات من دون تحفظ أو خوف من الرقيب وهو ما ساهم في طرق مشكلات كانت في يوم من الأيام محظور عليهم الاقتراب منها أو تُعد من المحرمات التي يتجنب الصحافي أو الكاتب أو الإعلامي الكتابة أو الحديث عنها.. في ظل هذه الأجواء المحفزة للعمل الإعلامي بشتى أنواعه أصبح مبدأ الرأي والرأي الآخر جزءاً من المشهد الإعلامي البحريني كان من نتائجه أنه بات بإمكان الصحافيين والكتاب والإعلاميين التحرك بيسر وسهولة في فضاء الكتابة الصحافية، أو الحوارات السياسية التلفزيونية، ومواقع التواصل الاجتماعي. هذا الكلام نقوله بمناسبة أن بعض الكتاب والصحافيين المحسوبين على “المعارضة” يقودون هذه الأيام حملة إعلامية عبر صحيفتهم ضد أجهزة الإعلام الرسمية، والصحف المحلية التي يتهمون كتابها بأنهم يعملون على تشطير المجتمع البحريني الذي لايزال يعاني من تداعيات أزمة فبراير، بدلاً من السعي نحو غلق ملف الأزمة ومداواة جراحها. ففي هذا السياق لا يكاد يمر يوم من الأيام حتى يطالعنا هؤلاء الكتاب بمقالة أو أكثر تتناول هذا الموضوع، والمراقب والمتابع لهذه المقالات يتولد لديه شعور أن هناك خطة تحريرية ممنهجة من قبل الصحيفة القصد منها تشويه صورة الإعلام الرسمي والصحف المحلية التي تعبر عن وجهة نظر مغايرة لرأي أغلب الكتاب المؤدلجين والمنحازين أصلاً لتيار “المعارضة” من جهة، والضغط على الحكومة من جهة أخرى لتقوم بإبعاد بعض العناصر عن مواقعهم الإعلامية، وإسكات بعض الأقلام في الصحف المحلية؛ لأنهم يعملون -حسب مفهومهم- على تصعيد المواقف وتأزيمها وهذا لا ينسجم ولا يتناغم مع الحراك السياسي الذي تقوده الدولة وتسعى من خلاله تعبيد الطريق أمام الحوار الوطني مع قوى “المعارضة” والذي يهدف إلى لم الشمل والمصالحة الوطنية وتجاوز أحداث فبراير ومارس الماضيين. كما إن هذه الأصوات ضد رغبات القوى السياسية التي تتحرك في اتجاه الخروج من الأزمة. إن تحليل محتوى الخطاب الإعلامي لهؤلاء الكتاب المؤدلجين المدافعين عن قوى “المعارضة” يكشف عن وجود تشابه فيما بينهم في عناوين هذه المقالات ومضامينها التي تهدف جميعها إلى تحريض الدولة على الكتاب والإعلاميين الذين سخروا أقلامهم وحواراتهم السياسية للكشف عن الحقائق وزيف الادعاءات التي تطلقها “المعارضة” وأدوارها في صنع الأزمة وتفاقمها من خلال تجييشها للشارع والاحتكام إليه من خلال استخدام ورقة العنف كوسيلة للضغط بها على الحكومة للحصول على المكاسب السياسية. إذا كانت هذه الأقلام المؤدلجة تدعي المهنية في العمل الصحافي والإعلامي وتزعم أنها تكتب بحيادية من دون أن تتأثر بعقيدتها الفكرية، فإن مقالاتها المؤدلجة تفضحها، فتؤكد على انحيازها الواضح وتخندقها الدائم في معسكر قوى “المعارضة” حتى ولو كانت الأخيرة على خطأ. فهي دائماً “أم العروسة” التي تشهد بصحة ما تذهب قوى “المعارضة” وهي دائماً على صح والحكومة والقوى الموالية لها على خطأ؛ بدليل أننا لم نر في كتاباتهم ولو بالتلميح إدانة لمسلسل العنف الذي تقوم به الجماعات التي تحركها قوى “المعارضة” وهي تعلم -أقصد تلك الأقلام- أن قوى المعارضة هي التي تقف وراء هذه الجماعات وبيدها وقف موجة العنف إذا أرادت ومهما حاولت أن تبرر بأنها ليس لديها سيطرة على تلك الجماعات فإن الوقائع على الأرض تثبت العكس. على أية حال إذا كانت هذه الأقلام تطالب اليوم في مقالاتها الجهات الرسمية بإفساح المجال لقوى المعارضة بالتحدث في أجهزة الإعلام الرسمية عملاً بمبدأ الرأي والرأي الآخر، فإننا في الوقت ذاته نطالبها أن تعلن هي أولاً إدانتها للعنف وتطلب من القوى التي تدافع عنها بالتخلي عن شعاراتها التي تحمل عناوين إسقاط النظام، ومن ثم لا أظن أنها ستجد الباب موصداً أمامها، بل ستجده مفتوحاً على مصراعيه لتقول ما تشاء في إطار القانون الذي يسمح لكل القوى السياسية أن تعبر عن رأيها حول قضايا الشأن العام بكل حرية. إننا لسنا بحاجة لتذكيرهم بأن الدولة قد سمحت بظهور قيادات الوفاق على شاشة قناة البحرين الفضائية في أكثر من مرة وكذلك في إذاعة البحرين. فالحكومة رغم ملكيتها لأجهزة الإعلام لم تتحرج من ظهور قوى المعارضة على أجهزتها الإعلامية وتوجيه الأخيرة النقد لأداء الحكومة وأجهزتها ولم تر في ذلك ما يعيبها؛ لأن لديها اعتقاداً راسخاً أن “المعارضة الوطنية” هي جزء أصيل في النظام الديمقراطي وتقوم بدور كبير في تقويم الأداء السياسي للحكومة وأحياناً تقترح عليها حلولاً للمشكلات التي تواجهها ومتى توفرت مثل هذه المعارضة فإنها ستجد الترحيب والآذان الصاغية لسماع وجهات نظرها. السؤال هنا؛ لماذا هذه الحملة على أجهزة الإعلام الرسمية، وبعض الأقلام الصحافية والإعلاميين؟! طبعاً سيرد كتاب “قوى المعارضة” أن ذلك سيسهم في تهيئة المناخ لانطلاق الحوار الوطني الذي يجري التحضير له الآن من وراء الكواليس. أقول لكتبة قوى المعارضة وهل هذا ينسجم مع المبدأ الذي على أساسه تطلبون من الجهات الرسمية العمل به وهو الرأي والرأي الآخر؟