^ تناقلت وسائل الإعلام حكم المحكمة القاضي “بالسجن المؤبد على الرئيس السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي لإدانتهما بالاشتراك في جرائم القتل المقترن بجنايات الشروع في قتل آخرين في إشارة إلى مقتل متظاهرين أثناء الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك العام الماضي”. وأشار القاضي إلى أن الحكم على مبارك صدر “في ضوء ما أسند إليه فى قرار الاتهام بالاشتراك في جرائم القتل المقترن بجنايات الشروع في قتل آخرين، وأدانت المحكمة العادلي بنفس الاتهام”. وقضت المحكمة ببراءة “معاوني العادلي الستة الذين حوكموا في نفس القضية بتهم تتصل بقتل 850 محتجاً أثناء الانتفاضة التي أصيب خلالها أكثر من ستة آلاف محتج. وقال القاضي عن براءتهم “ارتأت المحكمة... أنه إذ لم يتم ضبط جميع مرتكبي جرائم القتل والشروع فيه أثناء الأحداث أو حتى بعدها فلا يوجد قطع أو يقين في اتهام هؤلاء”. بشكل مواز لردة فعل أقارب ضحايا حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، التي طغى عليها الإحباط، حيث كان من المتوقع أن يكون الحكم على من في قفص الاتهام بمن فيهم نجلي الرئيس أشد مما نطق به القاضي، تنادى المواطنون بشكل عفوي للتجمع في ميدان التحرير، كنوع من التعبير السياسي المحتج على ذلك الحكم، وتبعتها القوى السياسية إلى هناك كي يعلن البعض منها، الدعوة إلى “الاعتصام بميدان التحرير إلى أن يتم تحقيق مطالب الثوار بإعادة محاكمة مبارك ونظامه، وعزل شفيق، وتشكيل مجلس رئاسي مدني وإلغاء الانتخابات الرئاسية”. وبدأت الصورة في ذلك الميدان تستعيد الكثير من هيئتها السياسية التي كانت عليها عندما نادت، وقادت إلى الإطاحة بحكم مبارك الذي كرس الفردية وعزز مؤسسة الفساد في مصر على امتداد ما يربو من أربعين سنة من حكمه الفردي. لا شك أن هناك تداعيات قانونية وقضائية ستبرز خلال الأيام القليلة القادمة، البعض منها سيأتي من أعوان الرئيس وبقايا مناصريه، ممن استفادوا من حكمه، تقول بعدالة الحكم وصوابه، في حين سيحاول المعارضون له (حكم مبارك) والمتضررين منه أن يطعنوا في حكم المحكمة ويفندوه. لكن الأهم من هذا وذاك، هو القراءة السياسية لذلك الحكم، والتداعيات التي ستتولد عنه، وتفرض نفسها على مسار حركة الساحة المصرية خلال الأسبوعين القادمين، وهي الفترة التي تفصل الشارع السياسي المصري عن بدء الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة المصرية، التي يتنافس فيها مرشحان: أحدهما ممثل تيار الإخوان المسلمين محمد مرسي، والثاني، هو آخر رئيس وزراء مصري في العهد السباق على الثورة وهو أحمد شفيق. سياسياً، يمد حكم محكمة ما أصبحت تعرف بمحاكمة القرن، المتابع لخارطة الأوضاع التي أدت إلى إقصاء مبارك، والقادمة التي سوف تتخلق بعد النطق بالحكم عليه بمجموعة من الحقائق التي يمكن تلخيص الأهم منها في النقاط التالية: 1. إن نجاح ثورة 25 يناير 2011 المصرية، في الإطاحة برأس النظام القائم، لا يعني أنها أزالت قواعد الهرم السياسي الذي يرتكز عليه. فبدون الحاجة للتشكيك في نزاهة المحكمة، أو الطعن فيما انتهت إليه المحاكمة، ينبغي الاعتراف سياسياً، أن النظام السابق، ما يزال يحتفظ ببعض المواقع التي تساعده على التأثير على مجرى العدالة في مصر، وأن بين يديه بعض الأوراق التي لم يجرد منها تمكنه من الاستفادة منها عندما تبرز الحاجة القصوى لها. 2. إن توقيت تاريخ انعقاد محكمة النطق بالحكم، بغض النظر عن مدى النجاح الذي يمكن أن يحققه، كان ذكياً من الناحية السياسية، حيث حاول الاستفادة من انشغال الشارع المصري بمعارك الانتخابات، واستحواذها على اهتمامات ذلك الشارع، كي يمرر الحكم الذي آلت إليه مداولات الوصول إليه. لاشك أن ردود الفعل ستكون أكثر انفعالاً، فيما لو أتت في ظروف سياسية مغايرة، وفي وقت مختلف. 3. إن درجة الشخصنة التي وصل إليها نظام مبارك، أوصلت المعارضة أيضاً إلى شخصنة مطالبها، فحصرتها في الإطاحة بــ “مبارك”، وهو أمر من الخطأ لومها عليه، لكن نتيجته أنها أفسحت أمام مراكز القوى الأخرى من إعادة تنظيم صفوفها، والعودة للمواجهة من جديد، لكن بلبوس مختلفة. يعزز من صحة مثل هذا القول، عودة المرشح الرئاسي أحمد شفيق، وهو من فلول النظام السابق، إلى حلبة الميدان، ونجاحه في الوصول، دون سائر المرشحين الآخرين، باستثناء محمد مرسي، إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وبفارق بسيط عن مرسي. هذا كله، وبالربط بينه وبين ما آلت إليه الأوضاع في ميدان التحرير، يفتح الباب أمام سيناريوهات للمستقبل السياسي المصري يمكن تحديد الأكثر احتمالاً منها في النقاط التالية: 1. تأجيل الانتخابات الرئاسية، دون إلغاء نتائج الجولة الأولى، بمعنى استمرار التنافس بين المرشحين اللذين انتهت إليهما تلك الجولة، مع ارتفاع نسبة حظ مرسي في النجاح نظراً لتأليب المعارضة الشارع المصري ضد خصمه أحمد شفيق، مستخدمة قرار المحكمة للتحذير من احتمالات عودة فلول النظام السابق، والتلويح أيضاً، باحتمال نيل مبارك حكماً بالعفو، فيما لو أصبح شفيق الرئيس القادم لمصر. وقد لوحت استفتاءات الرأي العام التي أجرتها بعض المحطات الفضائية بمثل هذه التحذيرات. لكن تجدر الإشارة إلى أن التأجيل لا يمكن أن يصل إلى درجة الإلغاء، أو حتى إلغاء نتائج الدورة الأولى، كما قد تتمنى بعض الجهات. 2. زيادة شعبية تيار الإخوان المسلمين في الشارع السياسي، الأمر الذي يبيح لهم، ليس إضعاف شفيق فحسب، وإنما تقليص حضور القوى السياسية الأخرى المنافسة لهم، وإزالة تلك الأشد معارضة للبرامج التي بدؤوا يدعون لها، ويروجون لتنفيذها بعد الفوز بمنصب الرئيس. وبالتالي باتت تلك القوى الأخرى، مطالبة ببذل جهود مضاعفة لم تكن ضمن حساباتها السياسية، فيما لو أن الأمور لم تتأثر بما قالت به المحكمة، إن هي أرادت أن يكون لها كلمة مؤثرة في مسار الحياة السياسية المصرية القادمة، التي ستعقب نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. 3. بروز تكتل سياسي مصري جديد، يستمد مبرراته من حكم المحكمة، ويتزود بطاقة الحركة الذاتية من التحذير من عودة النظام السابق. هذا التيار ستمده مخاوفه الثنائية الأبعاد من وصول أي من المرشحين إلى كرسي الرئاسة، إلى تجييش الشارع المصري، ليس من أجل تغيير نتيجة الانتخابات، إذ لم يعد في الوسع إعادة عقارب الساعة للوراء، لكن في سبيل الحد من نفوذ أي من التيارين: الإخوان، أو فلول النظام، الذي سيفوز في تلك الجولة الثانية. درس في غاية الأهمية ينبغي استخلاصه من التجربة المصرية الغنية بدروسها، وهو أن شخصنة المطالب التي ترفعها المعارضة، توصلها، في كثير من الأحيان، كما شاهدنا في التجربة المصرية، إلى شخصنة الصراع، وكذلك شخصنة نتائجه، وهي مسألة ليس هناك من معارضة تتمناها، طالما أنها تدعي النضال الخروج من حيز شرنقة الفردية الضيق، إلى فضاء الفراشة الرحب