^ أسدل الستار عن نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية في جمهورية مصر العربية، وتمكن اثنان من المرشحين الثلاثة عشر التصدر للجولة الثانية (الإعادة) مع بداية المنتصف الثاني من شهر يونيو 2012م، أولهما الفريق أحمد شفيق وهو مُرشح مدني، والآخر محمد مرسي وهو مُرشح مُتدين، وستعتمد هوية الدولة المصرية (الجمهورية الثانية) على الرئيس الذي سيتم انتخابه. أي هل ستكون مصر دولة دينية (شكلاً) أم دولة مدنية (جوهراً)؟ فما هي الدولة المدنية وما هي الدولة الدينية؟ وهل هناك تعارض أو اختلاف بينهما؟ في البحث عن هذا المصطلح (الدولة المدنية) أو (الدولة الدينية) لم نجد له موقعاً في المصطلحات ولا في القواميس السياسية، بل هما مُصطلحان إعلاميان استخدما للدلالة على نوعية وشكل إدارة الدولة، فالدولة المدنية هي الدولة التي يكون فيها الحُكم للشعب وتدار بالطريقة الديمقراطية ويكون الجميع فيها بأطيافهم السياسية والدينية والعرقية متساوين في الحقوق والواجبات بموجب دستور الدولة، ودون أي تمييز بينهم، وبالتالي فهي الدولة التي يُديرها المدنيون لا الدينيون ولا العسكريون. ولا يعني ذلك استبعاد العسكريين والدينيين بل تحرص الدولة المدنية أن لا تجتمع سلطات الدولة (التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية) في يد رجال الدين أو ضباط العسكر حتى لا يتحول هؤلاء إلى أشخاص فوق القانون وفوق المساءلة والمحاسبة. كما إن الدولة المدنية تمنع تحويل السياسة إلى صراع حول العقائد الدينية أو الشرائع السماوية، بل تجعلها ساحة لتبادل الرؤى والأفكار ضمن مؤسساتها العقائدية بعيداً عن التدخلات السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة المدنية والشرعية واحترام الرأي الآخر وعدم اجتثاثه. أما الدولة الدينية فهي تكون عندما تخضع الدولة وكافة مؤسساتها كلياً لإرادة شيوخ الدين الذين يُقدمون المصلحة المُعتبرة شرعاً والمتفقة مع مصالحهم على المصلحة العامة البشرية، ويعلنون للناس بأنهم يمثلون الرب في الأرض، وأن رضا الله على الناس يأتي من رضاهم عليهم، وبهذه القدسية المُفرطة يكون من المستحيل رقابة الحُكام الدينيين أو معارضتهم في كل شيء؛ وكيف تتم معارضتهم ومحاسبتهم وهم الممثلون للرب في الأرض؟ كما إنه لا يمكن مراجعتهم أو نقض أرائهم. وهذا الأمر يفتح الباب بمصراعيه للفساد والاستبداد والدكتاتورية باسم الدين، وإلى ممارسة سياسة الاجتثاث في الرأي والعقيدة والأديان المخالفة لرأي وعقيدة ودين حُكام الدولة الدينيين، مما يؤدي إلى خلق الطائفية في المجتمع وتشتت الناس في أهواء ومعتقدات دينية ومذهبية عديدة، وإذا حدث ذلك فأنه من الصعب جداً إعادة توحيد أفراد المجتمع مرة أخرى. وبذلك فإن شيوخ الدين يُعارضون نشوء الدولة المدنية لأنها تتعارض كُلياً مع مصالحهم وتقلص نفوذهم وتقلل سيطرتهم على الناس التابعين لهم. وعلى العكس من ذلك فإن الدولة المدنية لا تتعارض مع مبادئ وعقائد جميع الأديان السماوية، لكون الدولة المدنية الحقيقية تعتمد على المنهج الديمقراطي والشورى وتجنيد أصحاب الكفاءات والتخصص لإدارة شؤون الدولة ولتحقيق مصالح الناس جميعاً دون استثناء في الدولة، كما إنها تضمن حقوق جميع الناس، وهي ترفض مصطلح (الأقليات) لكون جميع الناس باختلاف طبقاتهم وأعراقهم وأديانهم ومذاهبهم هم مواطنون وبدرجة متساوية في العيش والحقوق والواجبات، إلا أن شيوخ الدين المتشددين والذين ترتبط مصالحهم مع مصالح الدولة الدينية يدعون بأن الدولة المدنية هي دولة مُلحدة ويطلقون عليها أحياناً الدولة العلمانية. وأصحاب هذا الرأي الساذج لا يفرقون بين مبدأ فصل الدين عن السياسة أو فصل الدين عن الدولة، لذلك فقد اعتبروا بأن الدولة المدنية هي النموذج المضاد للدين والتدين. فماذا نريد لمصر أن تكون؟ وهي القطر العربي الأكثر ثقلاً عربياً وإقليمياً، والذي حمل دائماً أحلام وهموم الشعب العربي وتبنى قضاياه ودافع عنها وما يزال، فما هو الأنسب لمصر دولة مدنية أو دولة ثيوقراطية - دينية؟ دولة يُديرها أصحاب الاختصاص والكفاءات في الحُكم والإدارة والسياسة والاقتصاد؟ أم دولة تدار شكلاً (هذا حرام وذاك حلال)؟ الشعب المصري شعب واحد باختلاف طبقاته وأعراقه ودياناته ومذاهبه وعاش منذ بداية الإسلام حتى السنوات الحاضرة في وحدة شعبية يظللهم الوئام والسلام، عاشوا في أمنٍ وسكينة، بعيداً عن القلاقل الدينية والمنغصات المذهبية. فإذا أراد الشعب المصري إقامة دولة دينية فلينظر إلى النموذج الإيراني حيث يتحكم المرشد الأعلى بكافة مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والعسكرية والتشريعية، ولا يمكن أبداً مراجعته أو نقض رأي من آرائه، وما الفرق في حينه بين (ولاية الفقيه) و(ولاية الإخوان)؟ وهو نموذج يثير بين كافة قطاعات الشعب اختلافاً أكثر مما يُثير اتفاقاً. وإذا أراد أن يحافظ الشعب المصري على وحدته الوطنية وتآلفه الديني فليس أمام إلا خيار الدولة المدنية، دولة القانون والمؤسسات والديمقراطية والمواطنة. فالدولة المدنية تقر حرية الأديان والعقائد وتحترم اختلاف الناس في معتقداتهم ولا تفرق بين الناس على أساس الدين أو المذهب