^   بينما ينحني مئات العمال لالتقاط مخلفاتنا من الشوارع، ننعم في الجهة المقابلة بجمال عليل المكيفات، نحن وعيالنا. دخل الصيف الحارق دون أن يستأذننا في ذلك، فهذا موسمه، ونحن لا نملك سوى الفرار منه؛ إما بالسفر أو اللجوء إلى الأماكن المغلقة والمكيفة. صحيح نحن ندفع من أموالنا للعمالة المُستضعفة من أجل أن تبني لنا منازل أحلامنا، أو من أجل نظافة سياراتنا، لكن في كثير من الأحيان نتجرد من إنسانيتنا، حين نعتقد أن أموالنا هي أغلى بكثير من إنسانيتهم، وبهذه الصفاقة نقوم بارتكاب مخالفات أخلاقية نهتْ عنها كل شرائع السماء والأرض. خرجتُ ذات صباح من منزلي في يوم من أيام قيظنا اللاهب، فوجدت عامل النظافة يلتقط كل ما نرميه على وجه الشارع، وللحظات بسيطة خاطفة وجدتهُ ينحني أكثر مما تنحني له ظهورنا طيلة عام واحد حين تسقط أموالنا سهواً من محافظنا. حين تسير في أزقة المدن والقرى عند الصباح، ستجد بشراً مثلنا من لحم ودم ومشاعر يرتدون زياً موحَّداً، يكنسون أخلاقنا التي تعكس استهتارنا في رمي المخلفات من المنازل والسيارات وأثناء السير، وربما أثناء المسيرات السياسية كذلك، وفي كل المناسبات الأخرى، فثقافتنا تسمح برمي ورق المحارم، وثقافة العامل وكرامته تسمح له أن يلتقطها من فوق سطح الأرض القاسية من أجل لقمة العيش. حين تسير في أزقة المدن والقرى عند الصباح، فتجد بشراً مثلنا، من لحم ودم ومشاعر، يلتحفون الأرض الحارقة في عزِّ الصيف أو يلجأون إلى ركن لا يصل إليه لهيب الشمس، يستظلون به فترة من الوقت ومن ثم يقومون بمواصلة كنس ثقافتنا. عمالة رخيصة، هكذا نطلق عليها، لكنها هي ذاتها التي تكنس شوارعنا وتعبِّد طرقاتنا وتبني منازلنا وتُصْلِح سياراتنا وتنظّفها، وهي ذاتها التي نقوم بتعذيبها بالتقاطها مخلَّفاتنا أو تخلّفنا من الشوارع، وهي التي تردح في منازلنا تعمل طيلة أيام الأسبوع كخدم وسائقين، وهم من يقوم برعاية أطفالنا حين الذهاب لأعمالنا، ومع كل ذلك العمل الجبار نطلق عليهم عمالة رخيصة!!. ربما يكون مفهوم الرخص عندنا يتمثل في قيمة الأجر، لكن في كل الشرائع السماوية والعالمية هؤلاء بشر مثلنا، وقيمتهم الإنسانية مثلنا وربما أكبر من قيمتنا، أما المال فلا يشتري كرامة أي عامل في الأرض. من الضروري أن نغير ثقافتنا تجاه العمالة حتى تغير العمالة من نظرتها إلينا، فليس المال وحده يصنع المجد، صحيح قد يصنع البذخ، لكنه لا يمكن أن يكون معادلاً للإنسانية. ما نقوم به من سلوك غير متحضر سيقوم به أطفالنا من بعدنا، وبهذا سننتج أنفسنا من خلالهم، ومن هنا نعرف السرَّ، بأنه كيف لا يمكن لنا أن نتطور. بعيداً عن الثقافة والحضارة والكلام (المنمق) والإنشائي، نحن مطالبون أن نحاكم ممارساتنا من خلال نظراتنا الدونية للآخر، حتى يمكن أن نتحدث بعدها عن مفاهيم أكبر من كل سلوكياتنا، كمفهوم العدالة السياسية والمجتمعية، أو الحديث عن أهمية تطبيق القانون، بينما نحن أول من يدوس فوقه وفوق آلاف العمالة التي يجب أن نقدِّم لها الشكر والعرفان جزاء تنظيف شوارعنا ومنازلنا، والذين لولاهم لكنا أكثر شعوب الأرض انحناءً في التقاط سوء عملنا ومخالفاتنا.