^   بعيداً عن الصداقة العميقة التي تربطني بكبير مراسلي قناة العربية في المنامة محمد العرب دفعني الفيلم الوثائق الذي بثته القناة من إعداد محمد العرب نفسه مؤخراً للحديث عن المسكوت عنه رغم كتابتي قليلاً عنه قبل فترة. المسكوت الذي أنطقه العرب في هذا الفيلم هو اختلاط التطرف بالدين وتحوله إلى أعمال إرهابية. هذه الظاهرة كانت سائدة منذ فترة طويلة، وأشبعت نقاشاً على مستوى التطرف السني الذي خلق لنا تنظيم القاعدة والتنظيمات الأخرى التابعة لها. ولكن لأسباب واضحة ومعروفة فإن الإرهاب الشيعي بات أمراً نادراً ولا يتم الحديث عنه رغم وجوده ومعرفته من قبل أطراف عديدة تملك مصالح في استمرار ربط الإرهاب بالمذهب السني دون غيره، وكانت نتائج هذه الاستراتيجية واضحة عندما بدأ التغيير السياسي يدب في منطقة الشرق الأوسط منذ ديسمبر 2011، وما زالت تداعياته مستمرة. لنتحدث عن البحرين بشكل مركز، فأحداث الفيلم كشفت عدة حقائق ينبغي الانتباه لها، تبدأ من طريقة التجنيد السياسي التي تستهدف مجموعات من الأطفال والشباب المراهقين يتم تجنيدهم بالتحريض والتعبئة الإعلامية من خلال دور العبادة والمؤسسات الدينية والشخصيات التي ترتبط بهذه الأماكن، بالإضافة إلى التجنيد من خلال التمويل الذي لا يتعدى بضعة دولارات لا تتجاوز في الغالب الدينار ونصف الدينار على أكثر تقدير. كما إن عملية التجنيد السياسي تعتمد بشكل أو بآخر على التهديد، وبالتالي هي ليست عملية طوعية بقدر عنصر الإجبار فيها، فالشخص المستهدف من عملية التجنيد سواءً كان طفلاً أم شاباً ليست لديه القدرة لرفض طلب التجنيد السياسي للانخراط في الأعمال الإرهابية، لأنه سيكون مهدداً في حياته أو حياة أحد أفراد أسرته، وكذلك ممتلكاتهم الخاصة، خصوصاً وأن هناك العديد من النماذج التي كشفت تعرض البعض لعمليات إرهابية من حرق أو تكسير أو تدمير بعض الممتلكات الخاصة بسبب مواقف سياسية. المسألة الأخرى وهي الأهم التي أنطقها محمد العرب في برنامجه الأخير، حجم البون الشاسع بين الجهود التي تبذلها بعض التيارات والتنظيمات السياسية الراديكالية لتجنيد الشباب سياسياً من جهة، وبين الجهود التي تبذلها مؤسسات الدولة الرسمية لرعاية الأطفال والناشئة والشباب من جهة أخرى. فلا أعتقد أن هناك توازناً أو تقارباً بين هذه الجهود، والدليل على ذلك تفوّق التيارات الراديكالية في استقطاب أكبر عدد من الشباب ـ رغم غياب الإحصاءات الدقيقة ـ مقابل انشغال مؤسسات الدولة المعنية بهذه الفئات في برامج وفاعليات لا تستهدف إلا مجموعات نخبوية. أعتقد أن الوقت حان لتستيقظ بعض مؤسسات الدولة وتتحمل المسؤولية جيداً، وتحاول جاهدة منع استغلال الأطفال والشباب في أعمال الإرهاب من قبل الراديكاليين. ولسنا بحاجة لإعداد قائمة بالجهات المعنية بهاتين الفئتين ورعايتهما لأن القائمين عليها يعلمون جيداً حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم.