^   في عام 1901 وافق الرئيس الأمريكي السادس والعشرون ثيودور روزفلت على إطلاق مسمى “البيت الأبيض” رسمياً على قصر الرئاسة الذي كان في الأساس منزلاً يقطنه الرؤساء الأمريكيون في طريق بنسلفانيا في العاصمة واشنطن، وذلك بعدما أطلق الناس على المبنى هذا الاسم لسنوات واشتهر شعبياً بسبب تميز جدرانه باللون الأبيض للأحجار الجيرية التي بني منها وسط مجموعة من بيوت الطوب الأحمر. اللون الأبيض له رمزيته الخاصة، إذ على امتداد العصور كانت دلالته لدى الناس لا تختلف كثيراً عن كونه رمزاً للنظافة والنزاهة والاستقامة والعدالة والإنصاف، وفي زمن الحروب كان اللون الأبيض هو الدال على السلام. بعد ظهور الولايات المتحدة الأمريكية كلاعب رئيس على الساحة الدولية وتحولها لقوة عظمى وهي الدولة التي لا يضاهي تاريخها الحديث رقمياً وزمنياً تاريخ حضارات ودول أخرى مثل عدوتها اللدودة السابقة -حليفتها الحالية- بريطانيا التي أحرق جيشها البيت الأبيض نفسه في عام 1812 للميلاد، باتت كثير من الدول والشعوب تنظر بشك وقلق إلى البيت الأبيض الصادرة منه قرارات وتصريحات من شأنها تغيير الكثير من شكل الخارطة العالمية. أهو بالفعل بيت أبيض يجسد رمزية اللون الأبيض؟! إن كان اللون الأبيض يعني النقاء والشفافية والوضوح والصراحة، فإننا بالتالي أمام حالة تناقض صارخة، إذ كل هذه الأمور غائبة تماماً في كثير من سياسات وقرارات أصحاب السلطة في البيت الأبيض. في بعض الحالات تحول بيتهم الأبيض إلى “بيت أسود” مثلما في حالة العراق الذي تمت استباحة أراضيه بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، هذه الأسلحة التي لم تكن موجودة إلا في مخيلة الناس الذين صدقوا الترويج الأمريكي لها في حين تكمن الحقيقة بأن تحرك البيت الأبيض تجاه العراق كان بسبب أرضها التي تختزن كنزاً، أرضها التي ينبع منها “الذهب الأسود”. في الحالات الغالبة يتحول لون هذا البيت الأبيض إلى “الرمادي”، فلا تعرف موقفاً حقيقياً ثابتاً لأصحاب قرارات هذا البيت، تفاجأ وتستغرب من تقلب المواقف، وتصل لقناعة بأن لعبة ما تدور، وأن هناك ما يختبئ خلف الأكمة. الولايات المتحدة عبر بيانات ومواقف بيتها الأبيض تمنح نفسها صلاحية التدخل في الدول وشعوبها، تحدد أي دولة تتدخل في شؤونها وتفرض عليها إملاءاتها على هيئة نصائح واقتراحات، قد تقول وتصرخ بأعلى صوتها بأن هذه الدولة حليفة وصديقة، لكنها قد تضربها في نفس الوقت وبطريقة خفية. اللون الأبيض لم يعد يعكس نفس الرمزية إن كنا سنضرب به مثلاً البيت الأبيض في واشنطن، وثائق الويكيليكس بحد ذاتها تبين أصلاً أن صناع القرار الأمريكان لا يعترفون أصلاً باللون الأبيض في عملهم، السياسة لديهم مبنية على المصلحة المطلقة، والمصلحة بحد ذاتها لا علاقة لها بالنزاهة والعدالة والإنصاف وقول الحق. اليوم من تقول بأن الاستقرار في البحرين يهمها، ومن تقول بأن البحرين حليفة استراتيجية لها من خارج حلف الناتو، هي من تعمل على تقوية شوكة من يريد الإضرار بالبحرين، تعمل على استهداف “حليفتها الخليجية” من الداخل، في ممارسة “سوداوية” لا “ضبابية” حتى. هناك من فرح بالإدانة الأخيرة الصادرة من البيت الأبيض لاستخدام المولوتوف في العمليات الإرهابية وظن بأنه انتصر حينما نطقت “راعية السلام” بما يظنون أنها إدانة صريحة للانقلابيين. هؤلاء نقول لهم “لا تمشوا في الأرض مرحاً”، إذ سرعان ما تنقلب الأمور لديهم وتتساوى الضحية بالجلاد، بل يتحول الإرهابي لممارس لحرية التعبير. لن أصدق أي تصريح صادر عن البيت الأبيض متي لو تضمن سطراً إيجابياً عن البحرين، بل حتى لو كان التصريح منذ حرفه الأول والأخير مؤيداً ومناصراً للبحرين وقضيتها العدالة، لأننا اعتدنا على اللون “الرمادي” في كل شيء. اعتدنا أن نسمع إشادات منهم حينما يجتمعون مع كبار القادة ومسؤولي البلد، لكننا اعتدنا أيضاً على “السم الزعاف” الذي يتضمنه كلامهم في اجتماعاتهم السرية والمشبوهة مع قادة التحريض والانقلاب. اعتدنا أن نسمع خلال لقاءات الجنرالات العسكريين من الجانبين عن رغبة أمريكية جامحة في تعزيز التعاون العسكري مع البحرين، لكننا اعتدنا أيضاً على اكتشاف نقيض ذلك بسعي لوقف التعاون في مجال الأسلحة وسعي “البيت الأبيض” للضغط على أتباعه من الأوروبيين لتعطيل هذا الجانب التعاوني مع البحرين. الجميل أن بريطانيا غردت خارج سرب “البيت الأبيض” هذه المرة. لمرة واحدة أعيدوا للون الأبيض رمزيته التي عرفناه بها، لمرة واحدة اتركوا عنكم اللف والدوران، تحلوا بالشجاعة التي تتفاخرون فقط ورقياً وإعلامياً أو عبر قواتكم العسكرية، نريدها شجاعة اعتراف بأن دعمكم الأكبر موجه لمن يريد ضرب البحرين في مقتل، وأنكم من صنعتم عناصر منهم، وأنكم من تمنحونهم المشورة في حراكهم الساعي لإسقاط البلد. جاء باراك أوباما فكتبت حتى صحافتهم الأمريكية تندراً بأن هناك “رجلاً أسود في البيت الأبيض”. كان وصفاً موفقاً، وعنواناً يجذب الانتباه، لكن مع مضي الوقت بات واضحاً تماماً بأن هناك خطأ فادحاً لا يغتفر في العنوان، خطأ يتعلق باللون، ليس لون الرئيس القادم المتدثر بأحلام مارتن لوثر كينج، بل خطأ في وصف اللون الحقيقي للمبنى المشيد من الأحجار الجيرية. قد يكون أبيض بالفعل، لكن ما يصدر عن ما يدور داخله لا علاقة له بـ«البياض” بأي حال من الأحوال!