^ لم يكن الربيع العربي ربيعاً على الشعب العربي في الأقطار التي جاءها بل كان أكثرها سيلاً دامياً عليهم، تغير الرؤساء في تلك الأقطار وبقيت الأنظمة كما هي، فما التغيير الذي جاء به المتدينون الذين تسلموا السلطة في تلك الأقطار؟ وماذا ينتظر الشعب من الباقين إذا تسلطوا على رقاب العباد؟ لقد محا أولئك معالم نهضة بلادهم وسيفعل مثلهم اللاحقون من أمثالهم. من مهام الرؤساء في بلادهم رعاية مواطنيهم والدفاع عنهم وتحسين مستوى معيشتهم، وتنمية بلادهم وحفظ أمنها والدفاع عن سيادتها، فكم رئيس عربي فعل ذلك؟ وكم من الأشخاص قتلهم الرؤساء العرب لكي يستمروا في منصب الرئاسة؟ وكم رئيس عربي جاء إلى منصبه بالطريق الديمقراطي السوي؟ شتان بين ما أنجزه الرؤساء العرب على صعيد التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وبين ما حققوه من مكاسب مالية ورئاسية في بلادهم، فقد كان ثمن استمرار حزب الرئيس الحاكم والقائد في رئاسة البلاد هو رقاب العباد، بين اعتقالات وسجون، محاكم صورية وإعدامات، وصولاً إلى المذابح. مذابح في مصر من أجل يبقى “الحزب الوطني الديمقراطي” حزب الرئيس حاكماً في البلاد لمدة ثلاثين عاماً وأعوام أخرى قادمة، وفي اليمن مذابح من أجل أن يخرج رئيسه بأقل الخسائر ويضمن مكسب الحماية من الملاحقة القانونية وبما كسبه من مدخرات وأتاوات، وفي ليبيا راح ضحية تغيير النظام آلاف الضحايا والجرحى وباغتيال رئيس البلاد الذي كان يدافع عن رغبته في البقاء لسنوات ما بعد الاثنين والأربعين عاماً. واليوم رئيس سوريا يُقدم يومياً على مآدب المذابح رجالاً ونساء، شيوخاً وشباباً وأطفالاً من أجل أن يبقى رئيساً، ادعى بإجراء إصلاحات سياسية دون أن يُغير المادة الثامنة من الدستور، لكي يبقى حزبه هو “الحزب القائد”، هذا الحزب العربي الخالد الذي تحول إلى حزب لأسرة وقبيلة حاكم سوريا ومن قبله الأب الذي هدم أسوار ومباني ومساكن محافظة حماة على أهلها تحت ذريعة تحريرها من المتمردين الباغين على الدولة السورية “دولة الحزب والشعب”!! الأب بالأمس تناسى الجولان وشعبه وكذلك ابنه اليوم، الابن الذي استخدم سلاح “المقاومة والممانعة” في قتل الشعب السوري، استخدم الجيش العربي السوري لتشريد الشعب العربي السوري، وبدلاً من أن يوجه السلاح إلى العدو الصهيوني نظم مجازر ممنهجة ضد شعب سوريا الذي يطالب بالحرية والديمقراطية. فالشعب السوري وجيشه الحُر يقاتل من أجل حقه في البقاء حُراً كريماً في وطنه، يقابله رئيس وجيشه وشبيحته الذين يقاتلون ضد الشعب من أجل البقاء في سدة الحُكم. مجازر تنتشر على المساحة الجغرافية السورية، من إدلب وحماة إلى حمص واللاذقية ومروراً بباقي المحافظات والمدن والأرياف السورية التي تشيع يومياً العشرات من الضحايا على مدى أكثر من عام من بدء الثورة الوطنية السورية، لم تفلح المبادرة الخليجية وبعدها العربية والآن الأممية - العربية في وقف أنهار الدم التي تسال يومياً في سوريا، ولن تكون مجزرة الحولة هي آخر المجازر، وأن استنكار دول العالم من غرب وعرب لن ترعب نظام الحُكم السوري ولن توقفه عن ارتكاب المذابح، ولن يخيفه وجود ثلاثمائة عنصر من القوات الأممية، فلقد شاهد هؤلاء آليات الموت والتدمير تتحرك في كل اتجاهات البلاد الثكلى، وشاهدوا أعمدة الدخان تصعد من مواقع القصف اليومي المستمر، ومرت من أمامهم جنائز الضحايا في الأماكن التي دخلوها، ولكن هؤلاء ما هم إلا قوة صماء بكماء عمياء، فوجودها وعدمه سيان. تدعي الكثير من الأنظمة العربية الحاكمة بأنها أنظمة إصلاحية، إلا أن المذابح وقتل الشعب ليس من الإصلاح، ورغبة البقاء في مقعد الرئاسة لسنوات وسنوات غير محددة ليس من الإصلاح، والتحكم بحياة الشعب وغياب الديمقراطية ليس من الإصلاح، وجود حزب سياسي واحد واعتباره هو الحزب القائد ليس من الإصلاح لأنه يعمل على تغييب التعددية السياسية. فهذه من سمات الأنظمة الحاكمة التي تطلب بالبقاء في الحُكم مهما كان الثمن، ومنها النظام السوري وقبله اليمني والليبي والمصري، فأين ذهب قسم الحُكم؟ إن الشعب العربي في سوريا الذي يموت يومياً أكثر من مرة لن ينفعه استنكار حكومات العالم ولن تغيثه قرارات الأمم المتحدة ولن تداوي جروحه صرخات جامعة الدول العربية، الشعب السوري يحتاج إلى هبة عربية حقيقية ونجدة إنسانية سريعة، يحتاج إلى قوى تحميه من اعتداءات الشبيحة وغدر قوات الحُكم العسكرية. فالحُكم عدل وليس قتلاً، والحُكم إنسانية خالٍ من العدوانية، والحُكم عناية ورعاية للشعب وليست وسيلة لقتل الشعب، الحُكم وسيلة لتحقيق الرفاه وليس من أجل الإبعاد عن الحياة، الحُكم فن وحكمة ورحمة وليس تدميراً ودفناً. فالحَاكم الذي يذبح شعبه من أجل البقاء في الحُكم فغداً شعبه يذبحه من أجل البقاء في الحياة. حفظ الله مملكتنا البحرينية وحفظ شعبها وقيادتها من كل سوء.. آمين يا رب العالمين