^ وجد الباحثون الروس في ميدان علم النفس أن الإنسان يكذب 88 ألف مرّة طيلة حياته، أي بمعدّل أربع مرات يومياً، على اعتبار أن متوسط العمر يساوي 65 عاماً؛ وأن الرجل يكذب في المتوسط خمس مرات، بينما تكذب المرأة ثلاث مرات يومياً. وتبيّن للباحثين البريطانيين في المجال نفسه أن اثنيّن بين كل سبعة من سكان بريطانيا لا يمانعون، إذا ما أُتيحت لهم الفرصة، في استخدام وسائل المواصلات العامة دون دفع الأجرة؛ وأن كل سادس بريطاني على استعداد للعبث بغرضٍ ما في المتجر أو تخريبه (خلع زر من القميص عمداً مثلاً) كي يحصل على سعر مخفّض له، وأنه يعتبر نفسه أيضاً محظوظاً لو تسنّى له أن يحصل صدفةً على نقودٍ (فكةٍ) من المحاسب تزيد قيمتها عن باقي المبلغ المستحق له. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ثلاثة من أصل أربعة من البريطانيين لا يعتزمون تسليم محفظة الجيب التي عثروا عليها في الشارع بمحض الصدفة إلى مخفر الشرطة، والأدهى من ذلك أنهم سيكونون سعداء أكثر لو وجدوا في تلك المحفظة بطاقة يانصيب رابحة، لأنهم سيدلفون على عجلٍ إلى هيئة إدارة اليانصيب للمطالبة بقيمتها المالية؛ كما أن أكثر من نصف البريطانيين يعتقدون أن الارتباط بشخصٍ ما من أجل الحصول على وظيفةٍ أو ترقيةٍ أمر مشروع، وأنهم جاهزون لملاطفة الأقرباء من كبار السِّن، وتلبية طلباتهم العسيرة، طمعاً في ورثتهم، ناهيك أن 13% منهم اعترفوا بأنهم قد قاموا، مرةً واحدةً على الأقل، بتهريب علبة سجائر أو مياه غازية من المتجر دون أن يدفعوا ثمنها، ولم يشعروا بوخز الضمير. لماذا أصبح الصدق والأمانة صفات نادرة في هذا العصر؟ أتصوّر أن نزوع الإنسان لعدم الالتزام بالقانون يعبِّر عن ضيقه بالقواعد والقوانين الوضعية المفروضة عليه، والتي يجدها عائقاً أساسياً أمام حريّته الفطرية، كما يعبِّر عن عدم وضوح قائمة الأولويّات في حياته، فهو مثلاً يسأل نفسه: هل سيتضرّر الاقتصاد الوطني إن لم أدفع أنا أجرة النقل العام؟ المعيار الأساسي هنا: تحقيق الهدف (أي بلوغ المكان المنشود)، أما كيفيّة تحقيقه فهو شأن ثانوي، ناهيك عن أن المعايير الأخلاقية للسلوك مغيّبة أصلاً. لقد فقد الإنسان المعاصر صفات إنسانيةً جمّةً لا تقل شأناً عن الأمانة، لكنه قد لا يزال يحتفظ بقدرٍ ضئيلٍ جداً من الرحمة، وهذا هو ما ينشده من أبناء جلدته الذين كدّسوا الثروات الضخمة على حساب معاناة المحرومين: إنه يوجِّه لهم نداءً عاجلاً بأن يرحموا مّن في الأرض ليرحمهم من في السماء!