^ إذا تتبعنا ما قامت به القيادة البحرينية خلال الشهرين الماضيين فإننا سنكتشف دبلوماسية نشطة للغاية تتحرك من أقصى الشرق في اليابان إلى أقصى الغرب في الولايات المتحدة الأمريكية. وبين هذين المدّين في الشرق والغرب يتركز نشاط الدبلوماسية البحرينية في دائرتين أساسيتين، الأولى هي الدائرة الشرقية ويقصد بها دول شرق آسيا وتشمل كلاً من الهند واليابان والصين وتايلند وكوريا بالإضافة إلى هونغ كونغ. في حين تتركز الدائرة الغربية في عواصم معدودة أبرزها أنقرة، كما تشمل مجموعة من الدول الأوروبية ومن بينها واشنطن. لماذا تنشط الدبلوماسية البحرينية في هاتين الدائرتين فقط دون غيرهما؟ من الناحية الاستراتيجية فإن السياسة الخارجية البحرينية أمام مرحلة تحول في المصالح من الغرب إلى الشرق لوجود قناعة بعدم جدوى الاستمرار في الشراكة حول المصالح مع الغرب بسبب الرغبة في التغيير السياسي وإعادة تشكيل المنطقة بشكل يخدم المصالح الغربية فقط دون غيرها. والفكرة الاستراتيجية هنا ليست إلغاء المصالح البحرينية أو نقلها من الغرب إلى الشرق، بل التنويع في مصادر القوى التي يمكن أن تستند عليها البحرين ضمن تفاعلها في النظام الدولي. فالعقود الأربعة الماضية أثبتت عدم جدوى الاستمرار في الاعتماد على قوة أحادية دولياً، وأثبتت كذلك الحاجة لتنويع مصادر القوى الدولية. الأهمية التي يمكن الاستفادة من تنويع القوى تتمثل في عدم قدرة طرف دولي واحد على التحكم والتأثير في سيادة الدولة البحرينية كما كان ذلك لافتاً خلال أزمة فبراير ـ مارس 2011 بالنسبة لواشنطن على سبيل المثال. لذلك ينبغي تفسير كافة التحركات التي تخطوها القيادة على مدى الشهرين الماضيين بأنها تخدم المسار الاستراتيجي في تنويع القوى الدولية التي تتحالف معها المنامة وتدخل معها في شراكة بالمصالح. بعض المحللين الغربيين، وخصوصاً العاملين في مراكز الأبحاث الأمريكية يرون التحركات الدبلوماسية الأخيرة بأنها تسعى لتحقيق هدفين رئيسين، وهما: الأول شرح مواقف البحرين وتأكيد التزامها بحقوق الإنسان، والثاني تسويق الإصلاحات السياسية التي قامت بها المنامة منعاً لأي مواجهات أو تحركات دولية لمحاربتها أو فرض عقوبات عليها كما تم بشكل جزئي عندما قررت الإدارة الأمريكية منع بيع الأسلحة للقوات المسلحة البحرينية. رؤية هؤلاء المحللين، ومنهم طبعاً الباحث فريدريك ويري، تقوم بشكل أساس على أن التحركات الدبلوماسية ليست في صالح واشنطن التي باتت تعاني العزلة داخل المجتمع البحريني، فهي مرفوضة لدى القوى السياسية الراديكالية التي ترى ضرورة أن تتخذ واشنطن إجراءات أكثر حسماً وتمارس ضغوطاً أكبر من أجل الاستجابة لمطالب هذه القوى. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن واشنطن مرفوضة من قبل القوى السياسية المعتدلة التي تمثلها مختلف التيارات السياسية التي لم تتورط في محاولة التغيير السياسي خلال مطلع العام الماضي، لأنها ترى أن واشنطن هي التي تقف وراء محاولة تغيير النظام وتسعى لتمكين فئة معينة على بقية مكونات المجتمع. والنتيجة النهائية أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من عزلة فرضتها الظروف وفرضها المجتمع بشكل طوعي على نفسه في المنامة. مقابل الدبلوماسية البحرينية النشطة في محورين أساسيين، فإنه من المتوقع أن تتبدل بعض الاستراتيجيات على مستوى الأوضاع الداخلية من قبل القوى السياسية المختلفة، فضلاً عن النخبة الحاكمة. بالإضافة إلى توقعات تتعلق بتغييرات محتملة في المواقف والسياسات من قبل الغرب وتحديداً واشنطن تجاه المنامة.