صدر مؤخراً عن «مؤسسة 40» العدد الأول من المجلة الفصلية “الآخر”، حاملاً نصوصاً فكرية ونقدية وإبداعية وحوارات. وتعود ملكية المجلة للشاعر أدونيس وحارث يوسف، وفي تقديمها للمجلة كتبت هيئة التحرير: تصدر «الآخر» كأنها على موعد مع التمردات والانفجارات البهية التي كانت تحدس بها وتعمل لها أخواتها السابقات: «شعر»، «آفاق»،» مواقف»، إلى جانب زميلاتها المجلات العربية الأخرى التي كانت تحدس بها كذلك وتعمل لها. كان زمن هذه المجلات جميعاً زمن الاقتناع بأن حياة الإنسان العربي لا تكتمل ولا تأخذ معناها الإنساني إلا برفض الواقع العربي، في مختلف مستوياته، من أجل تغييره. كان اقتناعاً في مستوى الحقيقة. ذلك أن هذا الواقع كان غارقاً، على جميع الصعد، في نوع من التعفّن الآخذ في تحويل الحياة الى مقبرة متحركة. ولقد أدرك الشبان والشابات العرب هذه الحقيقة، فتمردوا وقادوا شعلة التمرّد غير عابئين بما يحدث حتى لو كان الموت الحصاد الوحيد. وحصد كثيرون الموت. ننحني لهم تحية وإعجاباً وامتناناً. ونواصل مسيرتهم.لقد أثبتت التجربة في هذه البداية ما كان قائماً، مموهاً: السلطة عند العرب هي رأس الفساد. وهي أكثر من أن تنحصر في كونها مظهراً سياسياً. إنها هوس في بنية الذات. هوس تحول إلى مرض مركب خاص، تتلاقى فيه عوامل أمراض معدية كثيرة (...). وأضافت: بدأت الحركة، ولن تتوقف. وستتهدم هذه السلطة - مفهوماً، وبنية، وممارسة. وسيكون الإنسان هو السيد، ولن تكون السلطة في هذه السيادة، إلا مهمة إدارية، وإلا وسيلة للسهر على حقوق الناس، وحرياتهم. ولن تكون إلا حرباً على الفساد، وعلى كل ما يحول دون بهاء الحياة - حباً، وسعادة، وعدالة. الآخر مناخ، ونوافذ وآفاق. مفتوحة ومنذورة لجميع الخلاقين في جميع الميادين. خصوصاً للشابات والشبان. عندما نقول «مناخ»، نعني أن العواصف، رؤية وإبداعاً، يمكن أن تنفجر فيها. وعندما نقول «نوافذ»، و«آفاق» نعني الآخر الذي يكمن داخل الذات، جزء لا يكتمل إلا بالآخر الذي يتحرك خارجها، ولا تكتفي هذه المجلة في أن تكون مكاناً للمغامرة، وإنما هي كذلك وسط لتوليد المغامرات. المغامرة في صلب مهماتها الإبداعية. ومن هذه المغامرة يجيء اسمها: الخروج من الذاتية المنغلقة، والواحدية. وهو خروج لا تطيقه ثقافة السلطة العربية التي هي، منغلقة وواحدية. وتابعت: قد لا نفهم القول بهذا الخروج. ذلك أن المثقف بهذه الثقافة يسلك ويفكر كما لو أن رسالته هي أن يُثقف «الآخر»: أن يذوّبه في سوائله «الكيميائية»، لا الآخر - الإنسان، وحده، بل أيضاً الآخر - العالم. تغذيه في ذلك عقيدة «الآخرة» - بمعنييها الغيبي والدنيوي، حيث لا مكان في هذا العالم الآخر، للآخر، إلا إذا استقال من ذاته. الأنا في هذه الثقافة، ثقافة السلطة العربية، لا تكتفي بالهيمنة على الآخر، وإنما تفرض عليه أن ينفي ذاته. ومجلة «الآخر»، إذاً، هي للذات والآخر معاً، من أجل فكر آخر في كتابة أخرى: كتابة تتنفس هواء اللغة العربية فيما تتنفس هواء اللغات كلها، وفيما، تحتضن هواء البشر، كأنها الفضاء.