كتب ـ أحمد عبدالله:
كشف رصد أعدته “الوطن” عن احتكار عدد من رؤساء وأمناء عدد من الجمعيات السياسية لمناصبهم القيادية لسنوات طويلة، رغم مطالباتهم المتكررة بتطبيق مبدأ التداول في السلطة وإعطاء الفرصة للآخرين لتولى القيادة، في مخالفة وتحد واضح وصريح لما ينادون ويطالبون به، حتى أن بلغ الأمر ببعضهم حد تغيير القوانين التي تمنع استمرار القيادة السياسية في الجمعية أكثر من دورتين ليستمر في منصبه إلى الأبد.
وأوضح الرصد حركة التناوب على منصب الرئيس والأمين العام لعدد من الجمعيات السياسية، وكذلك آراء بعض الساسة والقانونيين حول ظاهرة عدم تغيير القيادات في عدد من الجمعيات.
وبيّن الرصد تربع الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني علي سلمان على هرم القيادة في الجمعية منذ تأسيسها في 2001 وإلى اليوم، وبعد أن كاد النظام الأساسي للجمعية يفقده المنصب بعد إكمال دورتين وهو في منصبه، عقد المؤتمر العام لجمعية الوفاق في 31 مايو 2008 ليقوم بحذف البند الذي ينص على أنه ‘’لا يجوز انتخاب الأمين العام لأكثر من دورتين متتاليتين”، وبعد إلغاء البند من النظام الأساسي للجمعية فسح المجال لعلي سلمان كي يبقى في منصب الأمين العام إلى ما شاء الله، كما استمر رئيس جمعية الشورى الإسلامية الشيخ عبدالرحمن عبدالسلام في منصبه منذ تأسيس الجمعية في 2002 إلى الوقت الحالي.
من جانبه، أكد الأمين العام لتجمع الوحدة الوطنية عبدالله الحويحي أن “تداول المناصب داخل أغلب الجمعيات السياسية لا يتم بالصورة الصحيحة، وأغلب القيادات السياسية لم تتغير منذ نحو عقد من الزمان”، مشيراً إلى أن “المشكلة تكمن في أن هذه الجمعيات هي نتاج للتنظيمات السياسية وانعكاس لما تحمله من الانضباط والسرية”، داعياً إلى “تطبيق الديمقراطية داخلها حتى يتمكن جميع أعضائها من حقهم من دون فرض وصاية قبل أن تطالب بتطبيقها في الحياة العامة”.
ولفت إلى “وجود لوبيات في الجمعيات تكون مسيطرة ومهيمنة، تتداول المراكز القيادية بينها، بينما أغلب مكونات هذه الجمعيات لا تتمكن من الوصول إلى المراكز القيادية”، داعيا كافة الجمعيات السياسية إلى “تضمين النظم التي تحكمها مواد تحدد مأمورية الرئيس أو الأمين العام في مأموريتين كحد أقصى، حتى تتاح مساحة أكبر لتداول على المناصب القيادية. ويفسح المجال للتجديد”.
واعتبر أن “ترك المجال مفتوحا للتجديد لقيادة الجمعيات يعزز الاستبداد والهيمنة من قبل عناصر وتكتلات محددة على سلطة القرار، ما يؤدي إلى جمود العلمية السياسية”.
أمناء مخلدون بمناصبهم
وفي السياق نفسه، أعرب أمين عام جمعية الصف عبدالله بوغمار عن “استغرابه الشديد من دعوة علي سلمان للديمقراطية والتعددية السياسية، رغم أنه الأمين العام لجمعية الوفاق منذ تأسيسها وإلى اليوم”، معتبراً أن “الأمين العام المخلد الذي يستغل الدين لصالح السياسة في راديكالية لا تمت إلى الديمقراطية بصلة هدفها الوحيد هو البقاء في المنصب إلى يوم الدين”.
وأضاف أن “الوفاق لا تستطيع خلال مؤتمراتها أن تنتخب أميناً عاماً غير علي سلمان بسبب الضغط الكهونتي الممارس عليها”، موضحاً أن “جمعية الوفاق، رغم ما تدعيه من ديمقراطية وانفتاح إلا أنها تمارس دكتاتورية قوية على الجمعيات المنضوية تحتها”، مضيفاً أنها “تستخدم عدد الجمعيات الورقية المنضوية تحتها لمجرد الدعاية الإعلامية والتوظيف الدعائي لصالح سياسات الوفاق فحسب”، منوهاً إلى أن “قيادة الوفاق هي التي تتحرك على الصعيد العالمي من أجل تجييش الدول الغربية على البحرين”.
ونصح بوغمار الجمعيات التي وصفها بـ«المستغلة” أن “تدرك حجم الاستغلال السياسي الذي وقعت فيه حين تخلفت عن تاريخها السياسي وفقدت بريقها في المجتمع وأصبحت منضوية تحت إمرة ولاية الفقيه ومغمورة في جمعية الوفاق”، واصفاً تلك الجمعيات بأنها “أصبحت ببغاوات تكرر ما تقوله الوفاق، كما أصبح قادتها مجرد دمى على الكراسي”.
ومن بين الجمعيات السياسية في البحرين جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي التي تأسست في البحرين في 14 سبتمبر 2001. وتولى أحمد الذوادي رئاستها بعد التأسيس لمدة دورة واحدة، وأعقبه حسن مدن إلى غاية المؤتمر الذي عقدته الجمعية في نهاية أبريل الماضي.
وتنص المادة 28 من النظام الأساسي لجمعية المنبر على أنه “لا يجوز لعضو المنبر أن يتمتع بعضوية اللجنة المركزية والمكتب السياسي لأكثر من ثلاث دورات انتخابية متتالية ودورتان انتخابيتان لمنصب الأمين العام”.
وينعقد المؤتمر العام للمنبر التقدمي بشكل دوري كل ثلاث سنوات، وينتخب اللجنة المركزية التي تجتمع خلال أسبوع من تاريخ انتخابها، وتنتخب من بين أعضائها الأمين العام للمنبر ونائباً له وأعضاء المكتب السياسي.
كما تأسست جمعية العمل الوطني الديموقراطي “وعد” في 2001 وتولى قيادتها المرحوم عبدالرحمن النعيمي لمدة دورتين ليخلفه إبراهيم شريف إلى اليوم، وتنص المادة الـ 15 من النظام الأساسي للجمعية على أن “المؤتمر العام يعقد مرة كل سنتين”، وحسب المادة الـ 16 من النظام الأساسي فإن المؤتمر العام ينتخب اللجنة المركزية للجمعية ومن صلاحياتها “تحديد عدد أعضاء المكتب السياسي وانتخاب أمينه العام وأعضائه من بين أعضاء اللجنة المركزية، وتحديد مدة عضويتهم في المكتب”.
احتكار المناصب القيادية
وعلى الصعيد نفسه، انتقد المحامي عبدالله هاشم “استمرار بعض الزعامات السياسية في مناصبها مدداً طويلة”، مشيراً إلى أن “البعض من تلك القيادات قد يتخلى عن منصبه في حالة استفحال النقد حول استمرارها، وهو ما يعرض السلوك الديمقراطي داخل الجمعيات لنوع من الخلل”.
وقال: إن “التكوينات السياسية التي تستمر الشخصيات القيادية السياسية فيها لفترة طويلة تصاب بنوع من الجمود، ليس على مستوى ثبات الأشخاص فحسب وإنما في طبيعة تكوين الذهنية السياسية لأفرادها”، مضيفاً أنه “يجب أن يكون هناك توجه في نقل المهمات داخل التكوينات السياسية إلى الصفوف الشابة، ولا شك أن تلك الصفوف قادرة على تحمل المسؤولية السياسية إذا أتيحت لها الفرصة، ويلزم أن تمنح الشخصيات الدينية الدعم الروحي للصف الثاني”.
وشدد على “ضرورة أن تتحول الجمعيات السياسية إلى مؤسسات تعمل بشكل ذاتي وتتفاعل مع الواقع دون أن تظل حالة مستتبعة لمراكز القوة داخلياً أو خارجياً”.
ودعا هاشم إلى “إشراك القيادات الشابة في تولي المناصب العليا في التكوينات السياسية دون التخلص بالضرورة من الزعامات القديمة أو تجاهلها”.
وأشار إلى وجود “نوع من الكاريزما المرتبطة بالطائفة، خصوصاً إذا كانت الزعيم السياسي رجل دين في الوقت ذاته”، لافتاً إلى أن “القيادات الروحية تصعب مغادرتها للمناصب القيادية، ما يشكل اختلالاً وخسارة في الممارسة الديمقراطية”.
أما جمعية التجمع الوطني الديمقراطي الوحدوي، فتأسست في 2002، وكان أول أمين لها العضو المؤسس المحامي عبدالله هاشم قبل أن يؤسس جمعية أخرى ويتولى الأمانة العامة بعده في 2006 فاضل عباس ولا يزال هذا الأخير أمينها العام إلى اليوم.
وتقرر المادة – 60 من نظامها الأساسي أنه “ينتخب الأمين العام لمدة 4 سنوات في اقتراع سرى من قبل المؤتمر العام”. فيما تنص المادة 63 –على أن الأمين العام “يختص برئاسة المكتب السياسي واللجنة المركزية والمؤتمر العام في دوراته العادية وغير العادية أو أية هيئة قيادية أخرى يحضر اجتماعها وله أن ينيب في حال غيابه أحد أعضاء قيادة الجمعية بخطاب كتابي وفقاً لما يقرره هذا النظام“.
وتأسست جمعية الإخاء الوطني ، في 2002 م و تولى رئاستها بعد التأسيس محمد الشهابي، وعقبه الرئيس الحالي موسى غلوم، وتنص المادة 5 من نظامها الأساسي على أن “اختيار قيادات الجمعية يتم بالانتخاب عن طريق المؤتمر العام ، كل أربع سنوات”. بينما تنص المادة 30 على أن مجلس الإدارة ينتخب لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مدة أو مدداً أخرى على أن لا تتعدى دورتين متتاليتين، وحددت المادة الـ 32 مهام الرئيس في أنه “هو الممثل القانوني للجمعية لدى الغير، ويختص برئاسة جلسات مجلس الإدارة والمؤتمر العام وإدارة كل منها والتوقيع على محاضر جلساتها مع أمين السر وعلى الشيكات وجميع أذونات الصرف والعقود والاتفاقيات والمستندات المالية مع الأمين المالي والتوقيع على قرارات فصل الأعضاء وكذلك الإشراف على جميع أعمال الجمعية، كما يتولى البت في الأمور المستعجلة التي لا تحتمل التأخير على أن تعرض على مجلس الإدارة في أول اجتماع له”.
استحداث أفكار جديدة
ووصف الأمين العام جمعية الوسط العربي الإسلامي أحمد البنعلي بعض الجمعيات بأنها “تعاني ترسبات قوية”، داعياً إلى تداول المناصب ليس من أجل الديمقراطية فقط وإنما لتجديد الدماء وتطوير الممارسة واستحداث أفكار جديد”.
وانتقد البنعلي “الخلود في المناصب السياسية داخل الجمعيات قائلاً: هذه وضعية غير صحيحة، وتمثل إدخالاً للدين في السياسية على اعتبار أن هناك مقامات يجب ألا ينزل أصحابها”، قائلاً “من أراد الدعوة إلى أمر معين فيجب عليه ممارسته أولاً، وبعض الجمعيات تظل على رأسها قيادة كأنها مخلدة”
ودعا قادة الجمعيات السياسية إلى “الابتعاد عن الأنا الذاتية والحزبية والنظر في البعد الموضوعي الإنساني”.
ورأى البنعلي أن “الجمعيات السياسية لو مارست الديمقراطية في هيئاتها وأطرها لاختفى العنف في الشارع وأصبحت العملية السياسية في مصلحة المواطن المسكين”.
وتأسست جمعية الأصالة الإسلامية في 06/05/2002 ووفقت أوضاعها بموجب قانون رقم 26 بشأن الجمعيات السياسية في عام 2005، وتولى رئاستها لأول مرة الشيخ عادل المعاودة قبل أن يسلم الرئاسة في مايو 2005 إلى غانم البوعينين الذي استمر فيها حتى 2012، ليتولى رئاسة الجمعية عبدالحليم مراد. وأشار مراد إلى أن “تغيير القيادات أمر مهم في العمل السياسي ، مثمّناً الدور الكبير الذي لعبه كل من المعاودة والبوعينين في قيادة الجمعية، والتجربة التي ورثاها لمن أتى بعدهم من الأعضاء”.
ورغم أن النظام الأساسي لجمعية الأصالة لا يحدد مدة قصوى للتجديد للرئيس إلا أن التداول على رئاسة الجمعية استمر بشكل دوري. أما جمعية المنبر الوطني الإسلامي فرأت النور ومارست العمل المنظم منذ 2002، وتولى رئاستها لأول مرة د. صلاح علي في ما بين 2002 إلى 2006 ، وحينها انتقلت قيادة الجمعية إلى د. عبداللطيف الشيخ ولمدة 4 سنوات بعد مؤتمر تم خلاله إلغاء منصب الرئيس واعتماد منصب الأمين العام بدلاً عنه. وفي 2010 سلم عبداللطيف الشيخ الأمانة العامة إلى د. علي أحمد الذي لا يزال يشغل نفس المنصب إلى الآن.
جمعيات تخالف مبادئها
إلى ذلك، قال عضو مجلس الشورى د. عبدالعزيز أبل أن “الممارسة الديموقراطية الصحيحة تحتم أن يسود التعامل بالمبادئ الديمقراطية في كافة مجالات الحياة وخصوصاً الممارسات اليومية للعمل السياسة”، مضيفاً أن “النهج الديمقراطي يجب أن يعتمد داخل الجمعيات وتسيير مؤسساتها والتناوب على المناصب فيها، وألا يقتصر على الحياة العامة “، مشيراً إلى “وجود مظاهر كثيرة داخل بعض الجمعيات السياسية تعبر عن عدم الانسجام بين الشعارات المرفوعة والواقع الحقيقي داخل تلك الجمعيات”، مشدداً على “ضرورة التطابق بين الممارسة والمطالب المرفوعة في الشارع”.
وأكد أبل “ضرورة استمرار تغيير القيادات داخل الجمعيات السياسية وتجدد الدماء حتى تظل للعمل السياسي مصداقية داخل الشارع وحتى تأتي أفكار جديدة قادرة على مواكبة تطورات العصر”. ومن بين الجمعيات السياسية في المملكة جمعية التجمع القومي الديمقراطي التي تأسست في 2002 وتولى قيادتها رسول الجشي منذ تأسيسها وحتى 2009 دورتين. ومنذ 2009 إلى الآن يتولى الأمانة العامة بها حسن العالي.
وينص النظام الأساسي للجمعية على أنه يتم انتخاب أمانة عامة وأعضاء احتياط للتجمع من بين أعضائه ممن تتوفر فيهم شروط عضوية الأمانة العامة للتجمع لدورة انتخابية مدتها ثلاث سنوات، وذلك كله وفقاً للإجراءات المبينة في اللائحة الداخلية. يضاف إلى ذلك جمعية العمل الإسلامي “أمل” فتم تسجيلها في سجل قيد الجمعيات والأندية الاجتماعية التابع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في 6 نوفمبر عام 2002م، وتولى رئاستها محمد علي المحفوظ منذ التأسيس إلى اليوم، كما إن من ضمن الجمعيات السياسية جمعية الشورى الإسلامية التي ترأسها عبدالرحمن عبد السلام منذ تأسيسها 2002 إلى اليوم.