بلورت كلمة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء أمام المنتدى الاقتصادي لدول شرق آسيا “الآسيان” في تايلند 31 مايو الماضي بحضور رؤساء دول وحكومات، رؤية حقيقية للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان. وقالت وكالة أنباء البحرين في تقرير نشرته أمس، إن الكلمة تزامنت مع اتخاذ خطوات جادة في بلورة الاتحاد الخليجي باعتباره عاملاً مؤثراً في زيادة وتيرة التعاون مع الآسيان، بتأكيد سموه أن دول مجلس التعاون الآن بصدد الوصول إلى مرحلة الاتحاد، بما يحقق لهذا التجمع آفاقاً اقتصادية وسياسية كبيرة تنعكس إيجاباً على شعوب المنطقة، ويفتح آفاقاً جديدة للتنمية الاقتصادية ويحقق للمنطقة كتلة اقتصادية تُقدر بتريليون دولار. ولم تأتِ دعوة سموه للمشاركة في المنتدى العالمي من فراغ، باعتباره شخصية دولية حققت لوطنها سمعة طيبة في مجال التنمية البشرية والمستدامة، ما جعل البحرين في صدارة تقارير التنمية البشرية إقليمياً ودولياً، وأصبحت نموذجاً في مجال النهضة والتطوير. وجاءت الكلمة الشاملة والجامعة أمام المنتدى لتتضمن قراءة عميقة لواقع الاقتصاد الدولي وتحدياته، ونظرة مستقبلية لما يجب على المجتمع الدولي إنجازه من أجل تحقيق آمال الشعوب في الرخاء والتنمية. وكان محور كلمة سموه عن أزمات يواجهها الاقتصاد العالمي من حين لآخر، وأهمية التعامل معها جدياً وموضوعياً للتخفيف من أضرارها السلبية وبما يضمن الاستمرار في تنفيذ الأهداف التنموية لمكافحة الفقر، وزيادة معدلات فرص العمل، وتطوير الرعاية الاجتماعية والصحية. وأشار سموه إلى الأهمية التي يحظى بها تكتل الآسيان في الاقتصاد العالمي وإعادة صياغة مستقبله، وحدد طبيعة الظروف الاقتصادية الدولية المفروضة على دول التكتلين، والعمل على تحقيق شراكة اقتصادية وتنموية تعود بالنفع على شعوب المنطقتين. وحرص سموه على استعراض المميزات الاقتصادية التي يتمتع بها كل تكتل، وتحفزهما على المضي قدماً في طريق التعاون، وتضاعف ثماره بالتأكيد للجانبين إذا ما انضمت الصين واليابان وكوريا الجنوبية للرابطة حسب ما هو مقرر. والواضح من كلمة سمو رئيس الوزراء أن هناك إدراكاً كاملاً من جانبه لأهمية أن يكون هناك تعاون بين دول مجلس التعاون والتكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم و«الآسيان” واحداً منها، سواء تحركت هذه الدول فرادى في اتجاه هذه التكتلات أو تحركت بصورة جماعية في إطار منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فالتحديات والأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة كان لها تأثيراتها على اقتصادات كثير من الدول. ومن الصعب على أي دولة محدودة الإمكانات أن تواجه تداعياتها بمفردها، بل إن التكتلات الاقتصادية الكبيرة نفسها لم تسلم من آثارها، وأصبح من الضروري مواجهتها بصورة جماعية سواء داخل التكتل الاقتصادي الواحد أو بالتعاون مع التكتلات الاقتصادية الأخرى. ولعل ذلك الإدراك لأهمية التعاون مع التكتلات العالمية والتوجه إلى الآسيان، جعل البحرين تبادر بالتعاون مع تايلند وطرح مبادرة تعاون بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا، وكانت بمثابة البداية لتدشين التعاون بين الجانبين، ومروره بعدة محطات مهمة ربما يعد أهمها مشاركة سمو رئيس الوزراء في منتدى الآسيان، وإلقائه كلمة نالت اهتماماً واسعاً في أوساط المنتدى وخارجه. وعند القراءة المعمقة بشكل أكثر تركيزاً لمضامين كلمة سمو رئيس الوزراء، نجد أنها ركزت على صياغة مستقبل الآسيان ووصفه بأنه مصدر إلهام للدول النامية، وواحد من التكتلات الاقتصادية والتجارية المؤثرة في العالم، وأن هذا الدور سيتعاظم باستكمال بناء رابطة الآسيان عام 2015. وتأثير الأزمات المالية والاقتصادية كمحفز على التعاون، فهذه الأزمات التي تتسبب فيها الدول الصناعية الكبرى لم تسلم من آثارها الدول والتكتلات الاقتصادية الإقليمية، وتصبح مضاعفاتها بصورة أكبر على الدول النامية في صورة انخفاض معدلات النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. ورأى سموه أن تلك الأزمات المالية والاقتصادية التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي من المتوقع استمرارها، ما يستلزم التعاون من أجل التعامل الجدي معها والتخفيف من آثارها السلبية على دول العالم، وضمان عدم تأثيرها على معدلات النمو الاقتصادي وجهود تحقيق الأهداف التنموية، من خلال التنسيق بين الدول وفتح آفاق جديدة للتبادل التجاري وإلغاء الحواجز المقيدة للاستثمار. إن دول مجلس التعاون كنموذج ناجح على طريق الوحدة، قطعت مشواراً طويلاً استغرق 30 عاماً على طريق التعاون السياسي والاقتصادي، وهذه الدول تسعى حالياً للوصول إلى مرحلة الاتحاد وبما يحقق لها آفاقاً اقتصادية وسياسية كبيرة تنعكس بصورة إيجابية على شعوب المنطقة، وبما يجعل منها تكتلاً اقتصادياً يتجاوز إجمالي الناتج القومي لدوله التريليون دولار. «الحلم الخليجي” لا يفارق مخيلة سموه باعتباره أمراً مصيرياً لدول المنطقة وشعوبها، وركز سموه في كلمته على أهمية توسيع علاقات التعاون بين “الآسيان” ودول مجلس التعاون، حيث أكد “أن العلاقة بين المنطقتين تكاملية، ويمكن أن تؤدي إلى زيادة رفاهية المواطنين من خلال الازدهار المشترك، وأن تحقيق هذا يتطلب تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الاجتماعات الوزارية المشتركة، والمضي قدماً لترسيخ التعاون وفتح مجالات جديدة يسهم فيها القطاع الخاص بدور كبير”. الرؤية المشتركة أساس تطوير الشراكة بين الجانبين، فالرؤية المشتركة التي خرج بها اجتماع المنامة 30/5- 1/6/2009 بين وزراء خارجية الآسيان ومجلس التعاون، كما قال رئيس الوزراء هي رؤية قابلة للتحقق، ومن الممكن تطوير علاقات التكتلين لتحقيق مصالحهما المشتركة، ويعزز ذلك أنهما يمثلان تجارب تنموية ناجحة ويملكان إمكانات اقتصادية، فضلاً عن تقارب مستويات النمو “5% لدول الآسيان، و4% لدول مجلس التعاون الخليجي” في عام 2012. محفزات التعاون بين مجلس التعاون والآسيان، فدول الخليج وكما يؤكد سمو رئيس الوزراء تملك إمكانات اقتصادية هائلة تعزز تعاونها مع دول رابطة الآسيان حيث تنتج 20% من إنتاج النفط العالمي، و9.5% من إنتاج الغاز العالمي، فضلاً عن 50% من قيمة صناديق الثروة السيادية، كما أن دول الخليج أحد أهم الأسواق لدول الآسيان سيما في مجال تصدير المواد الغذائية. وأكد سموه أن التحليل الدقيق لأسباب انتشار الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية، يبدأ من الدول الصناعية في العادة ثم تنتقل آثارها ومضاعفاتها للدول النامية، ويكون لها أسوأ الأثر على معدلات النمو الاقتصادي، وإحداث خلل في موازين المدفوعات وتخفيض قيمة العملات وازدياد معدلات البطالة نتيجة للترابط الوثيق بين اقتصادات الدول في إطار العولمة والانفتاح. رؤية سموه تضع كل طرف أمام مسؤولياته الدولية والأخلاقية في أهمية وجود تعاون دولي في رسم أطر الاقتصاد الدولي، لأن الأزمات حين تحدث تكون تداعياتها الضارة على الجميع، ولا تفرق بين دولة كبيرة أو صغيرة، والمتضرر الرئيس يكون هو الشعب في مختلف أنحاء العالم. وخلاصة القول إن وجود سمو رئيس الوزراء وإلقائه كلمة باسم البحرين في المنتدى أمام عدد من القادة ورؤساء الحكومات، تأكيد على أن سياسة المملكة الخارجية النشطة قادرة على الوصول إلى أبعد الآفاق، عبر الاستفادة مما يتميز به سموه من احترام وتقدير دولي.