^   المعروف أن البحرين منذ القدم مشهورة بالكواكب المتفجرة بالمياه العذبة تخرج من وسط المياه المالحة البحرية، والفشوت هي الصخور التي تتكاثر فيها الأسماك الصغار بعد فقس البيض في مواسمها، ومن ثم تكبر فيها بعيداً عن أفواه الأسماك الكبيرة، وحيث إن جدي الكبير رحمه الله لديه قفص صغير يضعه في الفشت القريب من الساحل يصطاد منه أغلب السمك الذي كان يأتي به إلى جدتي رحمة الله عليها يومياً للغداء، إلا يوماً عاد إلى البيت وهو خاوي اليدين، وعندما سألته جدتي أين سمك اليوم؟ قال لها يقولون لقد تمت سرقة فشتي من قبل شخص يسمى بلشتي! وحيث إن القصة ما زالت راسخة بعقلي عندما سمعتها من والدتي رحمة الله عليها؛ عاودتني ذكراها عندما كنت بجنيف لحضور مناقشة الاستعراض الدوري الشامل لتقرير مملكة البحرين، حيث سرحت كثيراً وأنا أجول بنظري في القاعة الكبرى للاستعراض متابعاً ردود فعل الدول الأعضاء بمجلس الأمن والتوصيات الواردة على التقرير، ومتابعاً ومراقباً دور المنظمات غير الحكومية والمعارضة البحرينية المتواجدة هناك بكثافة، حاملة رسالة واحدة (البحرين للبيع بالمزاد العلني) فهل من مشترٍ؟. كانت ملامح البحرين ودواعيس المحرق تتراقص أمامي وكأنها عروس في ليلة دخلتها، والمعازيم والعشاق بكثرة، والحساد والمبغضون أكثر بسبب جمالها الحضاري الطبيعي الذي حباها الله من بين البلدان. وكان يجلس على طرف المقعد المخصص لنا كمنظمة أهلية شخص يبدو أنه خليجي، لكنه ليس بحرينياً، رغم تنقلاته المشبوهة مع الكتل البشرية البحرينية التي جاءت بمناجل العكاكير وسكاكين القصاصيب والسماكين، حيث كان هذا هو الشخص “البلشتي” الذي يقوم بتجهيز طبخة الخيانة وسرقة السمك من فشت جدي. وعندما انتهت كافة الدول من عرض توصياتها بدأ هذا “البلشتي” يتحرك بين مندوبي الدول وأعضاء المنظمات غير الحكومية التي أشادت بتقرير الوفد الرسمي لمملكة البحرين، موزعاً ونافثاً عليهم سمومه التي تحتوي على خطوط الخيانة العريضة والتحريض على كره وقتل ودفن عروبة البحرين حية بثوبها الأبيض الزاهي، طالباً ومتوسلاً عدم تصديق ما قيل في التقرير الرسمي للبحرين أمام الدول، بل أوراقه ومطوياته التي وزعها في قاعات مبنى الأمم المتحدة وأروقتها هي عين الحقيقة. لقد خرج هذا “البلشتي” من القاعة نافشاً عرعوره ومتوجهاً إلى الكاميرا التلفزيونية الفضائية ذات الرداءة السوداء التي كانت تنتظره عند الباب، وكأنه المتحدث الرسمي عن المعارضة البحرينية بوكالة عامة، حيث استهل كلامه عن البحرين وتقريرها، ثم عن الانتهاكات المزعومة، وقام متعمداً بفتح أبواب الكذب ونوافذ الافتراءات والتحرشات ببلدي البحرين الآمن الوديع المستقر، والمستقل صاحب السيادة والشرعية الدولية والإقليمية، فحاولت التقرب أكثر عل وعسى أن أستمع لما يتحدث به عن الوطن العربي بشكل عام أو عن بلده، أو يمتدح رمزاً من رموز بلده الخليجي، لكنني لم أسمع إلا اسم البحرين يتكرر في كل جملة شاردة أو واردة، ورغم تحذيري من هذه الشخصية فإنه أصابني الفضول لكي أتعرف عليه من خلال سؤال بعض زملائي الذين يعرفون كل تحركاته المشبوهة، التي باتت تمثل أنموذجاً لشخصية البلشتي بسرقة السمك متجولة على ملامح الوجه كي تنبىء بما داخلها من بغض وكره بلا حدود للبحرين. وقد استرقت السمع من بعض كلماته لما فيها من توتر ونزق وغضب وعدوانية لكل إنسان على غير شاكلته الأيدلوجية. وذلك للنيل من الصورة الجميلة لشعب البحرين، حيث إن هذا الإنسان جاء لهذا المحفل الدولي كي يشهر بالعروسة الجميلة وينعتها بأسوأ النعوت منتقماً منها ومحققاً مآربه الدنيئة، قاصداً تفريغ جام غضبه وحقده بسبب الاكتئاب والتفكير السلبي، وصب المشاعر السلبية الناتجة عن الانفصام في الشخصية والازدواج فيها أحياناً، حيث يتحدث بعدة لهجات عربية منها الخليجية والشامية والعراقية والأعجمية، ويستخدم كل هذه اللهجات كل حسب المقام للمقال، فما كان علينا إلا أن نحللها ونشخصها من خلال الاستماع لها وهي تتراقص بين شفتيه مفتحة نوافد ثقافة الكذب والافتراء على وطن مباح، فيه التسامح الديني والعرقي وقبول الطرف الآخر والعيش في توافق وانسجام سلمي اجتماعي كالفسيفساء التي لا مثيل لها في العالم، من خلال اللحمة الوطنية الممثلة في النسيج الاجتماعي المضادة لكل طأفنة، حيث يحاول هذا “البلشتي” الذي عاش الحرمان من ذويه منذ الصغر بسبب الطيش الاجتماعي غير المستقر بسبب جلبه وعائلته بسفينة التهريب داخل أكياس البصل وألواح الملح، لينتقل هذا الطيش الصبياني عند الكبر بعد حصوله على جنسية تلك الدولة ليكون طائشاً سياسياً تارة وحقوقياً تارة أخرى مع حاجته الماسة للعامل الفسيولوجي، مما أدى إلى أن تلحق به آلة التعذيب النفسي الذي يصارعه يومياً عندما يخلد للنوم ويصبح في عزلة عن الناس، ويصبح أسيراً للضمير المقتول في مهده على منصات المذبح الرمزي الماسوني، مشكلاً له إثارة حادة لأزمات نفسية يحاول السيطرة عليها من خلال إعادة تشغيل الأشرطة التصويرية التي سجلها العقل الباطني ليقذف بها إلى العقل الظاهري محطماً بها نومه وسهده. كل هذه العوامل النفسية التي رصدناها وشخصناها هي نتاج الحرمان في الصغر، مما أدى إلى سلوك إشباع غريزة المال وحب الظهور المبجل من خلال المقابلات التلفزيونية مدفوعة الأجر لفضائيات الكذب، وذلك للقذف بحق شعب ووطن بأكمله، وهذا الإنسان لديه حلم التمدد تحت أي مثير للأزمات ليتزعم ذات العقول المسلوبة باعتباره صاحب تجربة حرمان ومظلومية دائمة، ليس له من تهيئة للإصلاح الاجتماعي أو السياسي إلا عمل على عكسه تماماً، إذ أن هذا الإنسان يعيش ويقتات على مظلومية الناس، وكل من يتابع آراءه وخطبه يجد فيها الشطط وعدم الإنصاف، وهو دائماً يبحث عمن يمجده ويمجد سيرته الذاتية المفبركة، ويصور نفسه دائماً راعي القطيع السائب في المحفل الدولي، وهو من الشخصيات التي تخشى المجتمعات النظيفة وتخشى الحركات الإصلاحية التقدمية وتعمل على هدم كل بناء حديث وفقاً لمخطط وأجندات باتت مكشوفة للجميع، يعمل على تنفيذها مقابل الفوز بصك من صكوك الجنة والعياذ بالله. حفظ الله البحرين شعباً وقيادةً.