كتب - جعفر الديري: يختلف الناس بشأن الزواج المبكر، فيجد بعضهم فيه حصناً للشاب والشابة من مزالق الشيطان الرجيم، وآخرون يرونه مشروعاً فاشلاً، ينتهي بمشكلات كبيرة كان يمكن تجنبها لو أعمل الشباب والشابات عقولهم. وإذا كان هناك شباب، رغم ظروف الحياة الصعبة، وزيادة متطلباتها، وارتفاع كلفة الزواج، من مهر وشبكة وخلافه، يقبلون على الاقتران مبكراً بفتيات أحلامهم، بل إنَّ بعضهم يتجاوزون كثيراً من المشكلات لكي يحققوا ما يتمنون، فإنَّ هناك من يشكك في نجاح مثل هذه الزيجات، خصوصاً وأنَّ في أذهانهم كثيراً من القصص والحالات انتهت بالفشل، لأسباب متعددة، على رأسها عدم نضج الشاب وقصور إدراكه لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وكذلك عدم توفر المال اللازم لتلبية المتطلبات الكثيرة للزوجة والأبناء. إنَّ التطرق لهذا الموضوع يحيلنا بالضرورة للتساؤل، عن الأسباب التي تكفل له الاستمرار، وتلك التي تعجل بفشله. وفي التحقيق التالي، نستعرض عينة مَن مِن الآراء بشأن الزواج المبكر. فإلى التحقيق الآتي: جنيت على نفسي لا تبدو الشابة منال أحمد، سعيدة بعد انفصالها عن زوجها. وتؤكد أنَّ خوف الآباء المبالغ على مستقبل أبنائهم وبناتهم، يقودهم إلى منزلقات خطرة، تدفع البنت ثمنها عاجلاً أو آجلاً. تقول منال أحمد: لست عاطلة عن الجمال أو الثقافة، ولي شخصيتي القوية. ومع ذلك جنى علي أبواي من حيث لا يشعران. فما إن تقدم لي ابن الجيران، حتى قبلا به زوجاً لي. كنت صغيرة في السن، رُبيت على طاعة أبوي، وأنَّ مخالفتهما تغضب الله تعالى. لذلك أُجبرت على قبول الأمر الواقع، فاقترنت بشاب كلّه عيوب. حاولت التأقلم معه ما استطعت دون جدوى، حتى تحوّلت حياتي معه إلى جحيم. ورغم علم أبي وأمي بما أعانيه، كانا يأمراني بالصبر، وكأني فتاة ليست مقبولة أو منبوذة من المجتمع، لكني في النهاية لم أستطع تحمّل العيش مع طفل في إهاب رجل، ارتبطت به مبكراً دون أنْ أعي خطورة الأمر، لتنتهي علاقتنا بالطلاق. وتتساءل أحمد: ما جدوى الزواج المبكر بالنسبة للفتاة، إذا كانت سترغم على الاقتران بزوج لا رغبة لها به؟! وكيف للوالدين أنْ يضمنا لابنتهما مستقبلاً زاهراً مع إنسان لم يؤخذ رأيها بشأنه؟! أعترف أني كنت ضعيفة جداً، رغم يقيني برجحان رأيي، وهو ضعف كلفني الكثير. لذلك آمل من جميع الفتيات أنْ لا يقعن في المطب نفسه الذي وقعت فيه. أنا لست ضد الزواج المبكر لكن الزواج المتكافئ، والحياة مع إنسان تختاره الفتاة ولا يفرض عليها فرضاً. كفاكم تحقيراً لأجدادكم من جانبه لا يعتقد الشاب مجيد محسن برجحان كفة الرافضين للزواج المبكر، معبراً عن دهشته لتعلل الفتاة بأسباب واهية لا حقيقة لها، لافتاً إلى نجاح كثير من الزيجات تمت في وقت مبكر من عمر الزوجين، كشأنه هو. يقول محسن: شخصياً اقترنت بابنة عمي في سن مبكرة. وقد كفاني أبي رحمه الله وجعل الجنة مثواه مؤونة الزواج. وسكنت أيضاً في شقة في بيت والدي. ومضت علي الآن اثنتي عشرة سنة منذ تزوجت، وأنا سعيد بزوجتي وابنتي سارة. وأترحم على أبي كثيراً دائماً، لأنه رحمه الله لم يقصر معي، فقد كفلني صغيراً وكبيراً أيضاً، حيث اختار لي زوجة طيبة «بنت أجاويد». لذلك لا أستطيع فهم الأسباب التي يتبجّح بها من يرفضون الزواج المبكر. ويعرب محسن عن استيائه لسلوك بعض الأبناء مع آبائهم، مشيراً إلى وجود آباء يترجّون أبناءهم الارتباط بفتيات من أهاليهم، فتيات جميلات ومهذبات ومتعلمات، كلّ ما يطلبنه الستر. آباء على استعداد لدفع جميع تكاليف الزواج، إلا أنَّ الأبناء يرفضون الزواج مبكراً، رغبة في مزيد من الحرية واختيار من يشاؤوا من فتيات، وكأنَّ من سيختارونها نازلة من السماء أو إحدى فتيات ألف ليلة وليلة!! أجدادنا أكثر حكمة في سياق النظرة نفسها يقول الشاب أحمد رضا، مشيراً إلى حياة الأجداد: الواقع يؤكد أنَّ أغلب آبائنا وأجدادنا تزوجوا في سن مبكرة، وكان نصيبهم النجاح، فلماذا هذه الوساوس بعدم نجاح الزواج المبكر؟؟ الحقيقة أن آباءنا وأجدادنا كانوا أكثر حكمة من شباب اليوم. وكان اختيارهم يقوم على العقل وتقوى الله تعالى. وليس كما هو شأن اليوم، على جمال الزوجة وحجم مدخولها الشهري. لذلك كان نصيب زيجاتهم النجاح، وكانت حالات الطلاق قليلة، مقارنة بالحالات المهولة اليوم. ويضيف رضا: أنَّ العلة في نجاح الزواج، لا تعود إلى بكارة الزواج أو تأخره، بل على الاحترام والتقوى. والفتاة التي ترتبط وهي في سن مبكرة، تنفي عنها خوف يراود كل فتاة مع كل يوم يتأخر فيه زواجها. ومتى وجدت الفتاة الشاب المؤمن، فلن تفرط به، طالما أنها تشعر بحنانه وإنسانيته وأنه ارتبط بها لذاتها، وليس من أجل جمال مآله الزوال، أو راتب شهري، يكفيه الانفاق عليها. ويتابع: لقد كان آباؤنا عظاماً بالفعل، فقد أدركوا أنَّ الفتاة متى تزوجت في سن مبكرة، جعلت حياة زوجها نعيماً، لأنَّ من يقترن بها لن يقترن بسوى شخصيتها فهي بالكاد تدرس وتتعلم، ولم ترتبط بالوظيفة. آباء أنانيون على نقيض ذلك يوجِّه الشاب محمد إبراهيم سهامه إلى الزواج المبكر، معتبراً إياه تخلفاً ورجعية لا تليق بشباب وشابات اليوم. ويرى إبراهيم أنَّ قبول الفتاة بالزواج المبكر، دليل على سفاهة رأيها، وضعف شخصيتها. ولتوضيح وجهة نظره يقول إبراهيم: أمهاتنا كن مسكينات، لا حول ولا قوة لهن. مصائرهن في يد آبائهم، فلا يملكن إبداء آرائهن، بل لا تتم مشاورتهن، حتى في أخطر شيء وهو الزواج. فكيف نصفهم بالعقل والحكمة، عندما يطعن آباءهن طاعة عمياء، وكأن آباءهن ملائكة لا بشر؟ ويضيف: نعم كان آباؤنا وأجدادنا عظاماً في أمور كثيرة، في تعبهم وشقائهم من أجل تأمين لقمة العيش في ظروف حياة صعبة، في محافظتهم على لحمتهم وأواصر المحبة التي تجمعهم بأهلهم وجيرانهم، لكنهم لم يكونوا فرساناً أبداً في طريقة تعاملهم مع أبنائهم، بل مستبدين. كان الشاب لا يرفع رأسه في محضر أبيه، فكيف للفتاة أنْ ترفض شاباً قبل به أبوها؟ كان مصيرها عندها هو القتل. فكانت تجبر على الارتباط بزوج فُرض عليها فرضاً، في سن مبكرة من عمرها. لتعيش بقية حياتها وفي قلبها غصّة لضياع سنوات من عمرها كان يمكن أنْ تقضيها دون مسؤوليات أو هموم. آباء في السبعين من جهته يشير الشاب سيد علي سيد طاهر، إلى أمر يتعلق بالزواج المبكر، يجده في غاية الأهمية، لكن الشباب يغفلون عنه دائماً. وهو أنَّ الزواج المبكّر يتيح للزوج إنجاب أبناء وبنات قبل أنْ يتقدّم كثيراً في العمر، وهي مزية عظيمة لا يشعر بها إلا الأب الذي بلغ عتياً من العمر، فيما أولاده لا يزالون ضعافاً. ويقارن طاهر بين حال الرجل الذي تزوج مبكراً والآخر الذي تزوج متأخراً، مؤكداً أنَّ الوضعين مختلفين تماماً، خصوصاً إذا علمنا بمدى صعوبة تأمين الحياة الشريفة على يد الأب قوي الجسم، فكيف بالرجل المتقدم في السن؟ ويضيف طاهر: كنت أعرف رجلاً من قريتي تزوج متأخراً، ولم ينجب حتى بلوغه الخامسة والأربعين. وقد بلغ اليوم الستين عاماً، وولداه في الخامسة عشرة من عمرهما. لا يستطيع مراقبتهما، بل لا يستطيع ردعهما عن سوء سلوكهما، رغم شكاية الناس الدائمة. فهل يعي شباب اليوم ذلك؟ هل يعون أنَّ الزواج المبكر من شأنه أنْ يمنحها إنجاب أبناء يؤدون واجبهم نحوهم في التربية الصالحة، طمعاً في ثوابه تعالى، وأيضاً لا يتحولون هم الآباء إلى كَلٍّ عليهم يتعبونهم في شيخوختهم. إنَّ هناك فرقاً بين أب في سن الأربعين والخمسين وآخر في الستين والسبعين!. معادل حقيقي للزواج المتأخر أما الشاب إياد سيد حسن فيؤمن إيماناً صادقاً بالزواج المبكر، وفوائده العظيمة. ويقول بشأن ذلك: أنا عند رأيي برجحان كفة من يؤيد الزواج المبكر، على من يرفضه. فإنَّ فوائده ومزاياه كثيرة مقارنة بمساوئه، وهو معادل حقيقي لمساوئ تأخر زواج الشاب والشابة. إنَّ الواقع يؤكد وجهة النظر هذه، فلو تأملنا قليلاً لوجدنا أنَّ تأخر الزواج مسؤول عن آفات كبيرة تحيط بحياة الشاب، ففضلاً عن إمكان الانحراف الخلقي، تأخر الزواج يتيح كآبة وخوفاً وتوجساً من مستقبل مبهم. ويضيف: أقول ذلك بعد أنْ لمست عن قرب، مآس كثيرة، ينكوي بها ليس الشاب أو الشابة وحسب، بل جميع أفراد الأسرة وعلى رأسهم الأب والأم، ولو أمعنا التفكير قليلاً، لوجدنا أنَّ خوف الآباء على أفلاذ أكبادهم خصوصاً البنات منهم هو خوف مشروع، كيف لا وهم لا يرجون سوى أنْ يرونهم في بيوت أزواجهم، حتى إن الأم حين تمرض وتوشك على الموت، يكون التفكير في حال بناتها بعدها أكثر ما يؤلمها.