تحقيق ـ حسين التتان: بعد عناء شديد، استطعت الدخول إلى شارع 2161 الذي يعرفه أهل الحورة والقضيبية جميعاً باكتظاظه الدائم بالسيارات والسابلة، والذي لا تستطيع أن تعمل إلا أن تتنفس. كان الوقت بعد أذان المغرب، والليل بدأ يرخى سدوله، لكن الضجيج لم ينته بعد، بل هو يبدأ في هذا الوقت. وبعد يأسي من العثور على مواطن بحريني أتحدث معه حول هذه المنطقة الغريبة، وقفت قرب جامع الحي لعلّي أجد من يتحدث العربية، ومن بعيد جاء شاب مفتول العضلات على وجهه تبدو هموم وتطلع نحو المستقبل، وحين تعرفت عليه تبين أنه المواطن علي عبدالله الزري (28 عاماً) من سكنة مجمع 321، وكان هذا هو مرادي.. أو عزّ الطلب، كما يقولون. يرى الزري أن المضحك في أمر المنطقة أن أزقتها الجانبية والفرعية كلها مبلطة بالطوب الأحمر، بينما شارعها الرئيس 2161 مهمل على الرغم من حاجتنا الملحة والقديمة إلى تطويره، ففي فصل الشتاء وعند سقوط المطر، يتحول هذا الشارع إلى برك للسباحة. وربما يكون المشهد مختلفاً نوعا ما عن هذا الوصف لأن الزري يعتقد أن لمسات التطوير مسَّتْ بعض مناطق المجمع وليس كلها. مشاريع ووعود حين وقفت خارج السيارة مع البلدي غازي الدوسري، انشغلنا بالحديث عن الموقف الحكومي حيال المنامة، وما تنتظره المنامة لنفسها. قال الدوسري إن الحكومة لا تهتم برعاية المنامة بنحو كاف، وهذا ما يعطي انطباعاً سلبياً عن صورة البحرين، إذا اعتقدنا أن العاصمة هي مرآة كل وطن. في ضوء ذلك، يشاهد الدوسري تقاطر بعض الإعلاميين لتصوير مشاهد من داخل شوارع العاصمة وأزقتها ويعتقد أن الهدف من ورائها تشويه صورة البحرين، لذلك يرى أن من الضروري تفويت الفرصة على أولئك المتصيدين من خلال تطوير العاصمة كلها. يقول الدوسري إن الحكومة تستفيد الملايين من مداخيل الدائرة الأولى من العاصمة المنامة، لأنها من أهم الواجهات السياحية في البحرين، لكن تلك المداخيل الكبيرة كلها تترحَّل إلى مناطق أخرى بغية تطويرها. أما المنامة فإنها لا تحظى بشيء من ذلك التطوير ولا من تلك المداخيل. يعني الدوسري أن منطقته تبيض ذهباً ولا تأكل غير العاقول، فالفائدة التي تجنيها دائرته يستفيد منها الغير ولا تحظى هي منها بشيء. نعم، الدائرة الأولى تعد مصدراً قومياً للسياحة في البحرين، ولكن هناك العشرات من العائلات الفقيرة يجب أن تستفيد من أرباح العاصمة. أما البلدية، فيعتقد الدوسري أنها لا تهتم بترميم منازل ذوي الدخل المحدود والفقراء، وهناك أكثر من 20 منزلاً يحتاج إلى ترميم، والبلدية لا تفعل أي شيء إيجابي حيال هذا الملف. حاولت بصفة مباشرة فتح ملف الساحل الشرقي وإهماله وفرضته مع العضو البلدي. قال الدوسري بألم: يعد الساحل الشرقي مع المرفأ التابع له (الفرضة)، من أجمل سواحل البحرين، ولو حظي باهتمام الجهات المعنية لتحول إلى جنة، فهذا ساحل الكورنيش الشرقي لا ترى فيه إلا الأشجار والحشائش وهو مهمل على الرغم من أن آلاف المواطنين والسياح يرتادونه يومياً. ومع ذلك أكد لي حسب المعلومات المتوفرة لديه أن هناك خرائط جاهزة لتطوير الساحل، وقال مستدركاً: لكن ذلك كله يدخل في خانة الوعود. أما بالنسبة إلى تطوير الفرضة، فإن إدارة الثروة السمكية والحكومة ومعهم النواب، وافقوا جميعهم على تطويرها، وأن تكون خاصة بالصيادين من أهل المنامة، لكن ذلك أيضا يعد من المشاريع (الوعود)!!. حين توسطنا العمارات خلف مبنى التأمينات الاجتماعية، لم نجد الشارع لائقاً لـ«الاستخدام الآدمي”، فالحفر و«المطبات” العميقة هي عنوان المنطقة وعلاماتها الدَّالة عليه. أما المقاولون كما يقول الدوسري، فإنهم يحفرون الشوارع المعبدة لإتمام مشاريعهم الخدماتية ثمَّ يولون الأدبار، هذا هو حالهم مع شوارع الوطن كلها! أردت أن أعرف من الدوسري لماذا غالبية شوارع الدائرة الأولى فيها مساران للذهاب والإياب على الرغم من ضيقها؟ فأجاب: هذا المطلب أزلي مع الأشغال والمرور، بل نحن نطالب أن تكون شوارع الدائرة الأولى كلها ذات مسار واحد، وأن يكون هنالك رجل مرور دائمي في المنطقة لتسهيل حركة انسياب الشوارع، إلى أن يتعود الناس على كون الشارع بمسار واحد، وحينئذ لا نحتاج إلى رجل مرور أو غيره، كما تحتاج شوارع الدائرة إلى منعطفات مقنعة في جميع شوارعها. «ألفا 3» قبل أن أذهب مع الدوسري إلى محطة الضخ (ألفا (3، سألته عن مشكلة الإسكان التي تعاني منها الدائرة الأولى في العاصمة، فأجاب: عندنا هنا اليوم أكثر من 500 طلب إسكاني، ووزارة الإسكان اليوم في طور استملاك بعض الأراضي لإقامة مشاريع عليها، لكن في الحقيقة أتمنى أن يكون الأمر هذه المرة حقيقياً، وأنا أرجو أن ذلك كذلك. أوقفني الدوسري فجأة، وأشار إلى حديقة كبيرة هي الأخرى تعد من الحدائق الميتة، وتقع خلف شارع المعارض هي حديقة المشعل، وقال لي: إن خرائط حديقة المشعل كلها جاهزة، وهي الآن تنتظر التنفيذ، وإذا تم العمل على وفق التصاميم المعدة لها، فإنها ستكون من أجمل حدائق البحرين لنموذجيتها وجمال تخطيطها. أخيراً وصلنا إلى محطة الضخ (ألفا 3)، وهي تحاذي بيت القرآن الكريم، ولها قصة وفيها مشكلة يعرفنا عليها العضو البلدي بقوله : إن محطة (ألفا 3) من محطات الضخ المهمة والحساسة في المنطقة، لأن جميع مجاري منطقة المحرق والمنامة والحورة تصب فيها، لكن نجدها تتعطل فجأة بسبب إهمالها وزيادة الضغط عليها، ويؤدي عطلها إلى فيضان مياه المجاري في جميع مناطق المنامة تحديداً، وبالخصوص الدائرة الأولى، وحين خاطبت وزارة الأشغال بشأنها أكدوا لي أنهم يعلمون بالمشكلة، وأن الحل في إصلاحها فقط، وأنها تحتاج إلى قطع غيار، وهذه القطع غير متوفرة حالياً، وأنهم قدموا طلباً لشرائها لكنها لم تصل إلى البحرين إلى اليوم، لكنني أتساءل لماذا لم تطلب الأشغال قطع الغيار منذ أن تعطلت المحطة؟ لماذا تأخرت هذا الوقت كله، بالرغم من أن الوزارة صرفتْ نحو 15 ألف دينار لتطوير المرافق الخاصة بهذا المشروع المعطل منذ زمن بعيد؟. الغريب في هذه المحطة أنها لا يوجد فيها حارس أمن على الإطلاق، وحين أمعنت النظر في الداخل، وجدت أنها تحتوي على مكاتب جديدة، لكن من دون موظفين!!. المجاري من القضايا التي تؤرق المجالس البلدية والأهالي، فهل الدائرة الأولى من الدوائر التي تعاني من مشكلة المجاري؟ يقول الدوسري إن شبكة الصرف الصحي أفضل بكثير بعد أن تم تحديثها، وانتهت مشكلات فيضان المجاري بنحو 60%، وهذه نسبة عالية جداً، لكن ما زالت بعض المناطق تعاني من فيضانها. الدوسري يقصد بكلامه هذا شارع رقم 2162 بمجمع 321، وهو يقدم شكره لوزير الأشغال على اهتمام وزارته بمشكلة الصرف الصحي في المنامة. ونحن نعتقد وربما يتفق معنا البلدي بعد أن شاهدنا الحركة العمرانية الكبيرة في المنامة، أن السبب الرئيس لعدم انتهاء مشكلة الصرف الصحي وتكرر فيضان مياهها، هي زيادة الضغط العالي عليها، بسبب البناء المستمر للعمارات الشاهقة في هذه البقعة تحديداً من البحرين، ولذا فمن غير المنطقي أن تشيَّد عمارات بهذا الحجم الهائل من دون أن توفر الدولة خدمات توازيها في الحجم والمردود. لم نخرج من التقصير حين دخل علينا الليل ونحن ما زلنا عالقين بين مشكلات المنامة وضيق الوقت، وبينما نحن نتجول في شوارعها، لفت انتباهنا ضعف مستوى الإنارة في الطرقات العامة، خصوصاً الخلفية لشارع المعارض. يقول الدوسري: الإنارة كافية، لكنها ضعيفة، أما أعمدتها فإن بعضها لم تتغير من العام 1960. نحن طالبنا هيئة الكهرباء ومعها وزارة البلديات بعمل أشكال ذات بُعدٍ جمالي لأعمدة الإنارة، خصوصاً ونحن نتحدث عن منطقة سياحية صرف. توقفت جانباً، حين رأيت الازدحام الفظيع في شارع المعارض، خصوصًا إذا ما عرفنا بأنه من الشوارع التجارية والسياحية الحيوية في البحرين. سألت الدوسري: متى ستحل مشكلة الضغط الشديد على شارع المعارض؟ هل سيأتي اليوم الذي ستنتهي فيه معاناة الأهالي هنا؟ فأجابني بوضوح أنه لا يمكن أن تجد الدولة أي حل للضغط على شارع سياحي، وهذا الأمر ينطبق على جميع الشوارع السياحية في العالم.. هذا أمر طبيعي للغاية حين نعرف أن هذا الشارع من الشوارع السياحية والتجارية. حتى لو كان هذا الأمر طبيعياً للغاية، سيظل شارع المعارض مصدر إزعاج للأهالي الذين تقع منازلهم خلفه مباشرة، خصوصاً في أيام العطل والإجازات الرسمية ولياليها، فهناك الكثير من الشباب الصاخبين يستخدمون أبواق سياراتهم و«يفحطون” داخل الأحياء السكنية، ناهيك عن بعض الحركات المزعجة التي يمارسها أصحاب الدراجات النارية. هناك فرق شاسع بين السياحة والدعارة، فحين نتأكد أن المباني التي تطل على شارع المعارض وغيرها من الشقق الخلفية له، هي محط أنظار السوَّاح، فلا بأس، لكن المشكلة حين تكون هناك أوكار للدعارة، وهذا ما توارد إلى مسامعنا. مراقبة الشقق السياحية في هذا الخصوص يقول البلدي غازي الدوسري: نحن في مراقبة ومتابعة لصيقة لجميع الشقق السياحية وغيرها في منطقتي الحورة والقضيبية بالمنامة، ونظمنا حملة بالتعاون مع النائب عادل العسومي لضبط الأماكن المخالفة أخلاقياً، فرصدنا 35 حالة لممارسة الدعارة، أحلناها جميعها إلى النيابة العامة، لتتم محاكمتهم وبعد الحكم تسفرهم الجهات المختصة. مررنا بمجمع 318 إذ بدأت وزارة الأشغال برصف الطرق الفرعية بالطوب الأحمر ذي الشكل الجميل وهذه هي المرحلة الأولى من مراحل عديدة لرصف الدائرة كلها، وحين سينتهي العمل في هذا المجمع، ستتوجه المرحلة الثانية والثالثة إلى المجمعات الأخرى بالدائرة الأولى، لرصف جميع شوارعها بالأحمر. ويعتقد الدوسري أن تكلفة المشروع تبلغ نحو أكثر من نصف مليون دينار. أكثر المجمعات اكتظاظاً بالمباني القديمة والحديثة والسكان هي المجمعات الثالثة المعروفة (318-308-321)، لا تكاد تحصل على موقف لسيارة واحدة، فكيف بمن يقطن في هذه المنطقة؟ إذاً أين الحل؟ وما الخطوات التي اتخذها العضو البلدي في هذا الشأن؟ يقول الدوسري: طلبت من البلدية إيقاف البناء وتجميده في المجمعات الثلاثة التي ذكرناها، ولم نكتف بهذا، بل عرضنا على الوزارة شروطنا المقترحة الخاصة بتنظيم هذه المجمعات والمنطقة بصفة عامة، كرسم مخططات لمواقف السيارات قبل البناء وأمور كثيرة أخرى. يرى الدوسري أن القوانين ورخص البناء القديمة فيها الكثير من الثغرات الفنية، والتي إن لم تعالج عبر القوانين والشروط الجديدة، فستظل طريقة البناء وحركة العمران والبناء في المنطقة أمر صعب للغاية، لأن الفوضى ستحكمها وتحكمنا. خرجنا من الدائرة الأولى، ولم نستطع حصر ومسح جميع مشكلاتها، وجميع أهالي منطقتي الحورة والقضيبية، ومعهم البلدي غازي الدوسري، يتفقون على أن هناك توجيهات خاصة من سمو رئيس الوزراء إلى جميع المسؤولين ووزارات الدولة بالعناية بهاتين المنطقتين، وجرت كثير من التطورات بفعل توجيهات سموه، لعل تبديل الكيبلات الكهربائية والتي بسببها لم تعد تنقطع الكهرباء عن المنطقة، ليس آخرها، لكن هذا في اعتقاد الأهالي لا يوازي توجيهات سموه الكريمة. يقول الدوسري إن جميع الجهود التي يبذلها في تطوير الدائرة الأولى لم تكن لتؤتي ثمارها لو لا الجهود المشتركة مع النائب عادل العسومي وأهالي المنطقة جميعاً. من المؤكد أن رحلتنا إلى العاصمة كانت حُبلى بالكثير من القضايا، نطرحها كلها اليوم، وبكل قوة فوق طاولة المسؤولين، لأننا بالتأكيد لنا رجعة قريبة إلى العاصمة لنسرد بقية الحكاية ولنكمل الرواية.
970x90
970x90