قال الأكاديمي في القانون الدستوري والعلوم السياسية المستشار محمد بن أحمد آل بن علي، إن تنظيم المسيرات في الطرق الرئيسة والميادين العامة لا يستند للشرعية الدولية لقانون حقوق الإنسان في أي مجتمع ديمقراطي، وإنما للتشريعات الوطنية الداخلية المقررة والناظمة للمسيرات أو العرف السائد في بعض الدول. وأضاف أن حق خروج الأفراد بمسيرات في الطرق العامة أو الفرعية ليس تطبيقاً لالتزامات دولية لقانون حقوق الإنسان ولا التزاماً دستورياً، بل هو حق وطني النشأة يستوجب دراسته من الناحية الدستورية. ولفت إلى أن المصادر الدولية الأساسية لقانون حقوق الإنسان ممثلة في ميثاق الأمم المتحدة 1945، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، وجميعها مصادر رئيسة للشرعية الدولية لقانون حقوق الإنسان، لم تقرر حق الفرد في المشاركة بمسيرات سياسية وغير سياسية في الطرق العامة أو الفرعية باعتباره حقاً في المجتمعات الديمقراطية، لا على سند حرية الرأي والتعبير ولا على سند الحق في التجمع السلمي ولا على حق المشاركة في الحياة العامة. وأرجع ذلك لسبب بسيط أن المسيرات في الطرق الرئيسة أو الفرعية أو الميادين العامة تتناقض مع المبادئ الفلسفية للحريات والحقوق الإنسانية في مصادرها الدولية التي تستند عليها في حماية حقوق الإنسان باعتبارها حقوقاً فردية، وإن اجتمعت مع آخرين كما هو شأن حق الأفراد في التجمع السلمي. وضرب دليلاً من المصادر الدولية لحقوق الإنسان حيث تفرض جميعها قيوداً على ممارسة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية للأفراد بعدم الإضرار بالأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام أو قيوداً تحمي الصحة العامة والأخلاق وحقوق الآخرين وحرياتهم. ووصف آل بن علي أن اعتبار المسيرات وسيلة من وسائل حرية الرأي والتعبير، وتستمد شرعيتها من المصادر الدولية لحقوق الإنسان والدستور، بأنه قول ضعيف ومردود عليه وفقاً للنصوص القانونية لحقوق الإنسان، مضيفاً أن “الثابت في المصادر الدولية والدساتير بشأن حق حرية الرأي والتعبير جوهرها الأساسي حق فردي وليس حقاً جماعياً، وإن كان سياسياً يجب أن يكون في حدود اعتقاده ومحيطة الشخصي، وهذا واضح من نص المادة (19) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وحددت وسائل ممارسة هذا الحق الفردي وليس من ضمنها وسيلة المسيرات، وفي هذا الاتجاه الدستور البحريني المادة (23). وأشار هنا إلى أن حق المشاركة في الحياة السياسية وتكوين الجمعيات السياسية والتجمع السلمي أفضل وسيلة لحرية الرأي والتعبير من المسيرات التي تجوب الشوارع وتعطل مصالح الآخرين”. ورأى أن المنظمات الحقوقية الدولية لا تملك موقفاً قانونياً نحو الدول التي تحظر قوانينها المسيرات في الميادين والشوارع العامة والفرعية، باعتبار المصادر الدولية لحقوق الإنسان لم تقرر حق الأفراد أو الأحزاب أو الجمعيات السياسية في تشكيل مسيرات تجوب الشوارع، ولا باعتبارها وسيلة لحرية الرأي والتعبير. وقال إن المسيرات في الشوارع تتعارض مع حق الأفراد في التنقل داخل البلاد بيسر وسهولة وفي سلامتهم الشخصية، وتشكل إخلالاً بأمن الطريق، وإن كانت سلمية ولم تقرها المصادر الدولية لحقوق الإنسان كونها لا تخلو من إضرار بحقوق الآخرين، وتشكل تعطيلاً للمصالح الاقتصادية في الشوارع التي تجوب فيها، وهي حقوق محمية في قوانين حقوق الإنسان الدولية. ونبّه “لهذا السبب لم تتطرق المصادر الدولية لحقوق الإنسان ولا الدساتير لا من بعيد ولا قريب لحق الأفراد أو الجمعيات السياسية بتنظيم مسيرات في الشوارع العامة أو الفرعية والميادين العامة”. وخلُص آل بن علي إلى وجود شبهة بعدم دستورية القانون رقم (32) لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (18) لسنة 1973 بشأن الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات الصادر عن المجلس الوطني. وأضاف أن القانون المذكور نظم أحكام الاجتماعات العامة والمسيرات والتجمعات والمواكب والمظاهرات في الطرق والميادين العامة، فيما أُسند القانون مبدأ مشروعيته إلى الدستور دون الإشارة للمواد الدستورية في الإسناد، واكتفى بذكر “بعد الاطلاع على الدستور” فقط. وقال “إذا رجعنا إلى الدستور نجد مادتين دستوريتين ذات صلة بالقانون، الأولى المادة (22) وتتناول حرية تنظيم شعائر الأديان والمواكب المسيّرة والاجتماعات الدينية وفق العادات المرعية في البلاد، والمادة (28) فقرة (أ) وتقرر للأفراد حق الاجتماع الخاص دون حاجة إلى إذن أو إخطار ولا يجوز تنظيمها بقانون، والفقرة (ب) وقررت حق الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات وفقاً للشروط والأوضاع المبيّنة قانوناً. ونبّه إلى أن الدستور لم يذكر كلمة “المسيرات” ولا “المظاهرات”، مشيراً إلى أن الدستور أكد في مادته (23) أن الحق في حرية الرأي والتعبير فردي. وأضاف “لا يمكن أن نصف المواكب الدينية بالمسيرات السياسية، ولا يمكن أن نسند الشرعية الدستورية على قانون المسيرات الناص على إجازتها لأغراض سياسية في الطريق العام، وإن كانت بإخطار وإذن من السلطات على أساس حرية الرأي والتعبير في مجتمع ديمقراطي، والمسألة أكبر من حقوق الآخرين الشخصية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية”. وقال إن المسيرات لا شرعية لها في قوانين حقوق الإنسان الدولية، ومصدرها تشريعات وطنية تتوسع في مجال حقوق ضد أخرى، فيما ترفض المعاهدات الدولية إقرارها، إلا أن المنظمات الحقوقية المعادية للأنظمة العربية والإسلامية تتخذ هذا الحق في المسيرات باعتباره إقراراً وطنياً في تشريعاتها الداخلية يضاف على الحقوق الدولية للإنسان.