^   تكشف الوقائع المتلاحقة التي تشهدها الساحة السياسية المحليّة بصورةٍ يوميةٍ على الحاجة الملحّة للعمل على تنمية مهارات التفكير المستقل، سواءً لدى تلميذ المدرسة أو طالب الجامعة، ضمن المنظومة التعليمية، والذي يختلف عن التفكير في ضوء توجهات أو مصالح أبناء الفئة الاجتماعية في أنه يتميّز بالمرونة، كونه يرتكز على قدرة الفرد على أن يصحِّح تفكيره بنفسه، ويفكِّر تفكيراً عقلانياً، ويحلِّل ما يعرفه، ويهضمه ويسيطر عليه، ويستطيع من خلال ذلك إصدار أحكام ناقدة، فالطالب يستطيع أن يفكِّر تفكيراً مستقلاً ناقداً إذا كان قادراً على فحص المنطلقات الفكرية لدعاة التعصّب المذهبي وتأجيج الكراهية والعداء للآخر، وتقويم الأفكار والحجج التي يسوقونها للتخندق حول المذهب، من أجل الوصول إلى أحكام متوازنة بشأنها، ومثل هذه القدرة تبقى نافعةً له في إنتاج المعرفة، ومحاكمتها؛ وإذا كان التفكير الناقد يتطلب تنمية الاستعداد للتفكير لدى الطالب، والذي من بين خصائصه البحث عن الحقيقة، والتفتّح الذهني، والفضول المعرفي، والثقة، والنضج، والنزعة إلى التحليل، فإنه يستدعي كذلك التوظيف المنطقي الهادف لمهارات اتخاذ القرار، وهي مهارات التفسير، والتحليل، والتقويم، والاستنتاج. فمن المهم للغاية أن يبني الطالب حكمه على الأحداث السياسية عن طريق إعمال العقل، والتفكير بعيداً عن المصالح الطارئة أو العاجلة لأبناء طائفته، بل التفتيش دوماً عن المصلحة العليا للوطن، إلا أن المتبصِّر في أساليب التنشئة الاجتماعية للتلاميذ يستطيع أن يلاحظ الغياب شبه التام لسلوك الشك في ثقافتنا، فقد تربّى أفراد الجيل الصاعد على ضرورة عدم الارتياب في مفردات الخطاب السائد لدى أبناء المذهب، وعدم الالتفات إلى الغريب أو المختلف في مضمون الخطاب البديل الذي يؤكِّد على اللحمة الوطنية في مواجهة محاولات إذكاء الصراعات المذهبية؛ ولا مناص أن تنمية سلوك الشك الذهني في أوساط الطلبة تعتبر خطوة أساسية أولية للحّد من استبداد التفكير الأحادي، لما يمكن أن يحدثه من تحويل في بنية العقل السائد، وتعزيز للتفكير القائم على الحجة المنطقية، ومفهوم التعددية الفكرية، وحق الاختلاف!.