^   «بطانياتهم تشبه بطانياتنا، شبصات شعر البنت مثل التي عندي”، قالتها ابنتي ونحن نشاهد مقطع مصور بكاميرا تلفون نقال يظهرالجثث المبعثرة للثلاثين طفلاً الذين قتلهم النظام السوري. غطى على صوتها بعد ذلك صوت مرتفع يصيح بلهجة سورية “خمسا وعشرين خمسي ألفين وتنعش، الله أكبر، الله أكبر، كلهم أطفال”، غيرت المحطة وغيرت مكان منامها لتكون بجانبي تلك الليلة لأهدئ من روعها بعد أن شاهدت مقطعاً تعودت أن أحذف مثله قبل مشاهدته عندما يصلني على “الواتسب” مصحوب بتحذير بعدم مشاهدته من أصحاب القلوب الضعيفة، لكن كيف أحذف ما شاهدته “روان” ذات الثمانية أعوام من ذاكرتها؟ لقد وصلتها رسالة الأطفال القتلى وجثثهم تقول لها نشبهكم حتى في الدم الذي غير ملامحنا، لكن الأسد وبعد التمهيد لها بالقصف المدفعي أرسل بمذبحة الحولة رسالة طويلة للعالم منها للخليجيين عشر نقاط هي: 1- لا طائلة من فرض عقوبات اقتصادية أو تجميد أموال رموز النظام أو عزل دمشق عن الجامعة العربية والأمم المتحدة، فالحسابات الإقليمية لصالح الأسد، وطهران بتدخلاتها العبثية تحقق نجاحاً بعد آخر، وتركيا مرتبكة، وقد كشفت حرب ليبيا مشاكل رافقت تنفيذ عمليات الناتو الجوية، وستمنعه من مهاجمة سوريا. 2- إن اقتراب التظاهرات من دمشق والتي سيتبعها بالتأكيد نفس الأحداث التي تجري خارجها يعني سقوط النظام، وما تم في الحولة ليس سوى إجراء عسكري يعرف بخلق العوائق على محاور تقدم العدو. 3- الحل الأمني مستمر، والخطوة المقبلة بعد مجزرة الحولة هو عدم الاستقرار الذي سيقود البلاد إلى حرب أهلية، وعلى قناتي الجزيرة والعربية الكف عن تحريك الثورة وتجفيف منابع الدعم الإعلامي للتمرد. 4- لدى الأسد تصريح وتسهيلات دولية بالقتل، فرغم بشاعة ممارسات قواته إلا أن ذلك لم يمنع استمرار تدفق السلاح من روسيا، حيث تزامن وصول سفينة السلاح الروسية “تشاريوت” مع مذبحة الحولة، بينما نجح حلفاؤه في اعتراض سفينة السلاح الخليجية الليبية “لطف الله 2” في لبنان. 5- على الخليجيين الكف عن المراهنة على أي دور للجيش العربي السوري في تغيير النظام بعد أن فقد الشيمة بقتله الطفل والمرأة والرجل الأعزل البريء، وبصم منتسبوه بدم أطفال الحولة عقد شراكة أبدية مع النظام. 6- ما يحصل على الأرض هو جهد لإيصال العالم لقبول مرحلة طلب التنحي، كالتي قام بها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، بشروط منها بقاء الحزب ورموز النظام محميين من العدالة ليعودوا للسلطة بأقنعة جديدة، وعلى مجلس التعاون تجهيز مسرح الأحداث لمبادرة خليجية مشابهة في سوريا. 7- بسبب البعد القبلي يقف الخليجيون في موقع ملاصق لسوريا حيث لم ينجح النظام البعثي في تعطيل قنوات التواصل، ولن أحصر ذلك في سكان الجزيرة وهي نصف مساحة سوريا، كما لن أحصره في قبيلة “عنزة” التي منها نصف الأسر الحاكمة بالخليج، ورسالة بشار تقول بدأت بحرب عزوتكم من العشائر وستتحول جمعة العشائر إلى مذابح العشائر. 8- يريد الأسد أن يقول بخطأ من يراهن على أن مذبحة الحولة ستأتي بنتائج مذبحة سربرنيتشا في البوسنة، حيث كان من تبعاتها الحملة الجوية للناتو أغسطس 1995م التي أنقذت بقية المسلمين. فمذبحة دير ياسين في أبريل 1948م نتج عنها تسمية شوارع القرية عام 1980م بأسماء مقاتلي الأرجون وشتيرن الذين نفّذوا المجزرة ضد أهلنا في فلسطين، كما لم يطل من نفذ مذبحة صبرا وشاتيلا إلا التوبيخ فقط. 9- تسيل الدماء الآن لتجرف أساسات جسر التحالف السني الذي يبنيه الخليجيون مع سوريا الجديدة بعد سقوط نظام حزب البعث، لكون سوريا بلداً ذا غالبية سنية. 10- يعمل الأسد على تهيئتنا لتقبل ارتفاع بشاعة ممارساته، فما قطع أصابع الصبية في درعا إلا عتبة لقتل الشباب ثم النسوة وأخيراً الاطفال، والقادم هو سيناريو حلبجة. يريد نظام دمشق أن يقول لوزراء الخارجية الخليجيين خصوصاً، والذين سيجتمعون مع بقية نظرائهم العرب في الخليج بدعوة كويتية وضيافة قطرية لبحث ما يجري في سوريا “ما أنتم في الخليج إلا برميل نفط يصدر ضجيجاً حين يدحرج للحقول بعد إفراغه في الناقلة، فمازلتم رغم ضجيجكم تضخون النفط للصين وهي تحميني وتبيعون مشتقاته لروسيا وهي تسلحني، وتكفرون عن ذلك ببكاء نسائكم على مجزرة أطفال الحولة، ثم تقيمون حفلات الوجاهة بالتبرعات التلفزيونية”. فإما أن نساعدهم أو نكف عن دفعهم للهلاك كما حدث إبان الانتفاضة الشعبانية في جنوب العراق بعد حرب تحرير الكويت 1991، حيث لا يبقى إلا الدفع بمجلس الأمن لإصدار القرارات الواجبة لحماية الشعب السوري بما في ذلك ما تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو أضعف الإيمان، يوازيه تأثيث للعقلية الصينية والروسية الجوفاء بما يليق بها من ضغط وإقناع لتعديل موقفهما من نظام الأسد. وفي الوقت نفسه الاعتراف بالمعارضة والجيش الحر كممثل للشعب السوري ودعمهم إلى أبعد الحدود.