^ التغيير سمة الحياة وخاصة إذا كان التغيير إيجابياً ويهدف إلى تحقيق التطوير والتحسين في البلاد، وأي تغيير يجب أن ينسجم أولاً مع هوية الوطن وشخصية المواطنين، وأن يتوافق هذا التغيير مع الخصوصية المجتمعية وألا يتعارض مع أهداف الإصلاح الوطني. فالمجتمعات كثيرة ولكل منها خصوصيته وهويته، قد تتبدل الظروف ويطرأ الكثير من التغيير على مختلف الأمور ولكن تبقى الهوية دون تغيير. فنحن في مملكة البحرين نملك هوية خاصة بنا وهي الهوية الوطنية البحرينية العربية، ومنذ تاريخ الاستقلال الوطني وليومنا هذا حدث في البحرين العديد من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ساهمت كثيراً في تنمية البحرين وتطويرها وتحديثها، ومع ذلك فقد حافظت البحرين وشعبها على هذه الهوية التي يحاول البعض تغييرها وتبديلها بهوية أخرى، هوية بعيدة جداً عن المجتمع البحريني وعن تاريخه ولا تمثل حاضره ولن تنتمي إلى مستقبله، فحاضر الوطن هو نتاج ماضيه والمستقبل هو ثمرة الحاضر، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً هوية البحرين عربية وستبقى كذلك. الإنسان في أي مجتمع هو مرآة لهويته، وهو يسعى للتطور دائماً لكونه مجموعة من التفاعلات الكثيرة، من وعي وإرادة وثقافة وعلاقات مجتمعية، فهو بالتالي يتغير ويتطور، لكن هوية الإنسان تبقى دائماً ثابتة لا تتغير إلا إذا تغير هوى الإنسان. ومع أن هوية الإنسان ثابتة إلا أنها لا يجب أن تكون هوية مُغلقة بل يجب أن تتواصل وتترابط مع الهويات الأخرى، بشرط أن تحافظ على ذاتها ولا تتغير وأن تبقى كما هي. لو تغيرت هذه الهوية فإن صاحبها سيعيش في حالة من التمزق والتخلف، وإذا أضاع الإنسان هويته لن يستطيع أن يسترجعها إلا إذا رجعت نفسه إلى الصواب. وإن هوية الإنسان والوطن ليست من الصناعات أو النتاجات الأدبية بل هي أساس وجوده، ويمارس الإنسان ويتصرف الوطن بمقتضى هذه الهوية، فلا يمكن أن يكون لأي قطر عربي موقع في القارة الأوروبية لكونه لا ينتمي إليها جغرافياً ولا تاريخياً ولا هوية، ويمكن للإنسان البحريني أو العربي أن يعيش في أي بقعة غير عربية وبمقدوره أن يُحافظ على هويته الوطنية والقومية ويقاوم بجدارة أية إغراءات مادية أو معنوية تدعوه إلى ترك هويته وتبني هوية أخرى. فإذا كان هذا الإنسان وهو على أرض ليست بأرضه ويعيش في وطن ليس بوطنه ويستطيع أن يحافظ على هويته وهي عنوان وجوده... فكيف بالإنسان الذي يعيش في وطنه؟ ألا يستطيع هذا المواطن أن يحافظ على هويته وهوية وطنه ويدافع عنهما؟ إذا كان الجواب بنعم.. فما بال أولئك الذين يتعاطفون مع هوية غير هوية وطنهم ويُلبون نداءً ليس بنداء وطنهم؟ ويتلبسون بهوية أولئك ويتنكرون لهويتهم؟ فما العيب الذي وجدوه في هويتهم؟ وما هي السمات التي أعجبتهم في تلك الهوية الأجنبية؟ نعم الجميع يسعى إلى التغيير نحو الأفضل، كنا بالأمس بلداً غير ديمقراطي واليوم تنتشر الديمقراطية في كل جزء من مملكتنا، في المصانع والمدارس وفي الجمعيات السياسية. أليس التظاهر والاعتصامات وهذه المقالات وتأسيس الجمعيات السياسية والمنظمات الحقوقية والمهنية ديمقراطية؟ فالكثير من الذي كان بالأمس مَطلباً بالتغيير أصبح حقيقة وظاهراً للعيان، فالانتخابات والمجالس البلدية والبرلمان كانت بالأمس مطلباً وقد تحقق ذلك. ولكن السؤال.. هل مارسنا الديمقراطية بالصورة الصحيحة؟ أم مارس البعض الديمقراطية وفقاً لأجندته وهواه الديمقراطي؟ هل قبلنا رأي الطرف الآخر عندما طلبنا من الآخرين التعامل بالأسلوب الديمقراطي؟ إن التغيير الحقيقي يكون أولاً في تغيير النفس وهواها ثم ممارسة أي تغيير آخر؛ لا يستطيع أي امرئ أن يطالب بالتغيير وهو لا يمتلك ثقافة التغيير، فالتغيير ليس بمطلب سياسي أو ديمقراطي بقدر ما هو ثقافة وفن، ثقافة أن تدرك لماذا التغيير وبممارسته يكون فناً. فكم من أولئك الطالبين للتغيير يمتلك ثقافة وفن التغيير؟ فالتغيير إذاً لا يعني أن نستبدل هويتنا بهوية أخرى، بل إن التغيير يتطلب معالجة أمراض الحاضر لنستشرف آفاق المستقبل، وهذا يحتاج إلى امتلاك المعرفة، وحرية في الفكر وقبول الاختلاف الإيجابي مع الآخر، وقبل ذلك نحتاج إلى معركة تحريرية لتنوير العقل الإنساني من أية شوائب واجتثاث أية مخلفات شيدها الفكر المناوئ بمختلف العقول الفردية والمؤسسية. لقد أعطى المشروع الإصلاحي لجلالة الملك انطلاقة مضيئة للعمل الوطني والديمقراطي، إلا أن أغلب الجمعيات السياسية ومنتسبيها لم يقرؤوا ما جاء في هذا المشروع جيداً، وغرفوا منه بما يتفق مع أجندتهم السياسية وألغوا ما تبقى منه لكونه لا يتفق معهم. ولو كانت أجنداتهم الحقيقية تتفق وتتناغم مع منهج المشروع الوطني الإصلاحي لما حدث من أحداث وتداعيات سياسية. ولو قرأنا تاريخنا السياسي القديم واطلعنا على مطالب القوى الوطنية السابقة لوجدنا أن ما جاء في نصوص ميثاق العمل الوطني ومنهج المشروع الإصلاحي يتفق جيداً مع تلك المطالب التي ناضل من أجلها الأجداد والآباء. ولا يسعنا إلا أن نقول إنه لا يمكننا أن نشارك في تنمية وتعمير بحريننا إلا إذا تمسكنا بهويتنا البحرينية القومية وتغلبنا بجدارة على تقاعسنا وتجاوزنا عن الفكر الطائفي واستبدلناه بوعي وطني مستنير لتحقيق الواقع الأفضل الذي تعمل من أجله قيادتنا ويتمناه الشعب البحريني