^   حينما يواجه أيّ بلدٍ أياماً صعبةً ومريرةً بقدر قساوة ومرارة الأحداث التي مرّ بها وطننا الحبيب في فبراير 2011، فإن المرء لا يملك إلا أن يقوم بعد انقضاء هذه الأحداث، مع بقاء تداعياتها السلبية على الأرض، بعمل جرد بالأرباح والخسائر التي تمخّضت عنها تلك الأحداث. وإذا كنا سنضع في خانة “الأرباح” الفرصة التاريخية العظيمة التي أتاحت لنا كي نظهر لشعوب العالم مدى اتساع حراكنا السياسي والاجتماعي وزخمه الجماهيري، وهو ما عبرّت عنه التجمّعات الشعبية المطالبة بتوسيع رقعة حرية التعبير، وتحسين المستوى المعيشي للمواطن البحريني، ومنحه حريّة المشاركة الديمقراطية في صنع القرار السياسي، نقول إذا كانت النقاط المسرودة تشكِّل أرباحاً، فإن الجانب الأيسر من الجرد يغصّ للأسف بقائمةٍ ممتدّةٍ من الخسائر. أرجو ألا يفهم القارئ الكريم مما قيل أعلاه إنني أزن الأحداث العصيبة بميزانٍ تميل كفة الترجيح فيه لصالح النظرة السوداوية المتشائمة، بل إنني أحاول ما أمكن أن أضع الأمور، كما أتصوّرها، في سياقها الصحيح، أو هكذا أعتقد. فأفدح الخسائر التي منينا بها هي الثقة، نعم ثقة كل واحد منا في الآخر، وثقتنا في قدرتنا على تجاوز هذه الأزمة بأكبر قدرٍ من رباطة الجأش. يجب أن نصارح أنفسنا بأن ثقة أفراد المكوّنين الاجتماعيّين للوطن في بعضهم بعضاً قد وصلت إلى أدنى تخومها، حيث يعتقد البعض أن الأفراد المنتمين لمكوّن اجتماعي محدّد هم المتسبِّبون في الأزمة السياسية التي لاتزال تلقي بظلالها على الواقع اليومي المرير، وأن الدولة يجب أن تعاقب هؤلاء بحرمانهم من حقوقهم المدنيّة والاجتماعية، وبالتضييق عليهم في أرزاقهم، وعدم منحهم أي مناصب أو امتيازات، لأنهم لم يبرهنوا على وفائهم للوطن في أحلك الظروف. ويكفي أن يُطالع المرء التعليقات المنشورة أسفل المقالات التي تدعو إلى الوئام بدلاً من الفرقة، وإلى التسامح بديلاً للانتقام، ليكتشف أن بعض ردود الفعل التي صاحبت الأحداث الجسيمة لم تكن عقلانيةً ومدروسةً، بل اتخذت طابعاً ارتجالياً فجّاً لم يطل عمق المشكلة ومن ثم بات أفراد مكوّن اجتماعي بعينه أكبر المتضرِّرين منها والخاسرين بسببها!.