^ جميع الجمعيات السياسية البحرينية المتزايدة أعدادها باستمرار ـوهي ظاهرة صحيةـ تطالب بدعم الإصلاحات والتحول الديمقراطي دائماً، ولكن من النادر أن يتم الحديث عن ديمقراطية هذه الجمعيات من الداخل، بمعنى مدى تمثيل مواقف وقرارات هذه الجمعيات لمواقف واتجاهات أعضائها وكوادرها وحتى جماهيرها انطلاقاً من قاعدة (التنظيمات السياسية الديمقراطية يجب أن تكون ديمقراطية في قراراتها ومواقفها وتمثل إرادة الجماهير). عندما أعلن عاهل البلاد فتح المجال أمام مختلف التيارات السياسية التي تزخر بها البحرين منذ أكثر من 90 عاماً لتشكيل تنظيماتها السياسية في هيئة جمعيات تقوم بدور الأحزاب السياسية ضمن مشروع الإصلاح الذي بدأه جلالته في العام 2001، كانت التوقعات تشير إلى أن هذه التيارات ستقوم بإنشاء جمعيات خاصة بها لتمارس دورها في السياسة والشأن العام. ولم يكن حينها متوقعاً ألا تكون هذه الجمعيات غير ديمقراطية وتعاني من الاستبداد السياسي، رغم وجود اتجاه كان يراهن على صعوبة أن تتخلص التيارات السياسية المختلفة من عقدة الاستبداد السائدة في الثقافة السياسية العربية ودليلها وجود أحزاب سياسية في مختلف الدول العربية تعاني من الاستبداد بأقصى درجاته، ومن مظاهر ذلك وجود قيادات سياسية في رئاسة الأحزاب لعقود طويلة من الزمن. بحرينياً، استطاعت مجموعة من الجمعيات السياسية تطوير هياكلها الداخلية وآليات اتخاذ القرارات فيها، ولكنها مع ذلك لم تتمكن من التخلص من عقدة الاستبداد السائدة في الثقافة السياسية العربية والتي جاءت الثقافة السياسية البحرينية منها. هذا الواقع خلق عدة نماذج: النموذج الأول: نموذج الجمعيات السياسية التابعة للمؤسسات الدينية:- يقوم هذا النموذج على التبعية السياسية من التنظيم السياسي لإحدى المؤسسات الدينية التي تتحكم بقرارات الجمعية ومواقفها المختلفة. ونتيجة هذا النموذج هيمنة المؤسسة الدينية على الجمعية السياسية وارتهان الأخيرة بالأولى، وعليه ينتج عن الديمقراطية التنظيمية الداخلية فيها الاستبداد وصعوبة التغيير الداخلي لخضوعه لمعايير المؤسسة الدينية النافذة على الجمعية التابعة. ومثال ذلك جمعية الوفاق الوطني الإسلامية التي لم تتمكن من التقليل أو إنهاء نفوذ المؤسسة الدينية العلمائية التي تمثل تيار ولاية الفقيه عليها. الأمر الذي أدى إلى عدم تغيير الأمين العام لجمعية الوفاق لمدة 10 سنوات، وهو ما يعد شكلاً من أشكال الاستبداد السياسي. النموذج الثاني: نموذج الجمعيات السياسية التابعة لجمعيات أخرى نافذة:- يقوم هذا النموذج على وجود جمعيات سياسية تواجه تحديات تتعلق بنفوذها وقدرتها على التأثير السياسي بسبب أيديولوجيتها أو عدم ملائمة توجهاتها للجماهير. وهو ما يجعل هذه الجمعيات في مأزق حقيقي يتعلق باستمرارها المستقبلي؛ لأن القدرة لديها في العمل السياسي تكون غير فاعلة بسبب غياب الجماهير العريضة التي يمكن الاستفادة منها في إحداث التأثير والضغط السياسيين. هذا الواقع السياسي المهم يدفعها دائماً للبحث عن بدائل، ويكون البديل الأسهل هو تحويلها إلى جمعيات سياسية تابعة لإحدى الجمعيات السياسية النافذة داخل النظام السياسي. ومن أمثلة هذا النموذج الجمعيات السياسية اليسارية (وعد، التجمع القومي، الإخاء.. إلخ) التي تواجه تحدياً يتعلق بعدم قبولها من قبل المجتمع المحلي، الأمر الذي دفعها للتحالف مع جمعية الوفاق باعتبارها جمعية نافذة في النظام السياسي رغم الاختلاف الكبير في التوجه السياسي والأيديولوجي بين الطرفين. النموذج الثالث: نموذج الجمعيات السياسية ذاتية النفوذ:- يعتمد هذا النموذج على قدرة عدد من التيارات السياسية التي أسست جمعيات سياسية لاحقاً من التغلغل داخل النظام السياسي ومؤسسات الدولة، واستطاعت إنشاء آليات للتجنيد السياسي والتعبئة وكونت لها مؤسسات تابعة مختلفة تمكنها في التأثير في القواعد والجمهور بشكل عام. في هذا النموذج فإن الجمعيات السياسية التي تمثله ليست بحاجة للتمسك بخيار الاستبداد السياسي على مستوى قيادة الجمعية السياسية، ولكنها قد تتمسك بهذا الخيار عندما يتعلق بأيديولوجيتها ومواقفها السياسية التي يجب أن تكون واضحة وغير قابلة للنقد بشكل كبير. من أمثلة هذا النموذج جمعيتا الأصالة والمنبر الإسلاميتين اللتين قدمتا تجربة مختلفة عن بقية الجمعيات السياسية فيما يتعلق بالديمقراطية التنظيمية الداخلية وشهدتا تغييرات لافتة منذ تأسيسهما على مستوى الأمانة العامة. النموذج الرابع: نموذج الجمعيات السياسية الهامشية:- ليس المقصود في هذا النموذج أن الجمعيات السياسية التي تمثله “هامشية” في دورها، وإنما هامشية داخل النظام بمعنى محدودية دورها السياسي وقدرتها على التأثير بسبب ضعف نفوذها لأسباب عدة تتعلق بحداثة تجربتها السياسية وتحديات مماثلة لتلك السائدة في نموذج الجمعيات السياسية التابعة لجمعيات أخرى نافذة، ولكن ما يميّزها خاصية (التمرد) لأنها ترفض أن تكون تابعة لإحدى الجمعيات السياسية الأخرى النافذة وإن كانت بحاجة لذلك، ومع ذلك فإنها قابلة وقادرة على التعاون والتنسيق معها بمختلف الأشكال. واللافت أن جمعيات هذا النموذج لديها القدرة على التخلص من الاستبداد السياسي والقدرة أيضاً على تغيير قياداتها باستمرار. ومن الأمثلة على ذلك بعض الجمعيات السياسية الحديثة، وتلك التي تمثل أيديولوجيات مختلفة عن السائد، ومثالها: جمعية الوسط العربي الإسلامي، وجمعية الميثاق، وجمعية الشورى.. إلخ. الخلاصة أن جميع الجمعيات السياسية تتفاوت في ديمقراطيتها الداخلية وقدرتها على التخلص من ظاهرة الاستبداد. ولكن التناقض الكبير يتم عندما ترفع بعض الجمعيات السياسية شعارات تتعلق بالديمقراطية ومحاربة الاستبداد، وهي نفسها تعاني من الاستبداد بسبب استمرار شخصيات معينة في أمانتها العامة لسنوات طويلة!