تسببت حماقة حزب الدعوة وحزب الله والشيرازيين الذين قادوا الانقلاب الشيعي في منطقة الخليج العربي “الكويت والبحرين والسعودية” في أزمة حقيقية للطائفة الشيعية في المنطقة كلها.
وتسبب دعم الولايات المتحدة الأمريكية لهم بحماقة قل مثيلها في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية بتنامي المشاعر السيئة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، أو على أقل تقدير عدم اعتبارها حليفاً معتمداً حتى عند المعتدلين من الشيعة والسُنة، بل إن الصدمة التي يمر بها جيل أحب الحياة الأمريكية لأنه تعلّم ودرس وأحب الولايات المتحدة الأمريكية ثقافة ونمطاً هي صدمة كبيرة جداً، ولم يفق منها بعد في الكيفية التي تخلت فيها الإدارة الأمريكية عن القيم والمبادئ التي تتغنى بها ولطالما حلموا بتقليدها حين وجدتهم يتحالفون مع تيارات ولايات الفقيه البحرينية بازدواجية غير مفهومة ومبررة وبمعايير متناقضة قضت على تلك الصورة الجميلة لبلد طالما أحبوه.
وسواء كان حراك أحزاب ولاية الفقيه بتحريض من الأمريكان بحجة دعمهم كأقليات، أو بتحريض من إيران خدمة لمصالحها؛ إلا أنه في النهاية وخلاصة القول بأن المحصلة النهائية لهذه الأزمة هو عزلة وانكفاء للجماعات الشيعية في منطقة الخليج عزلة أخذ فيها الظالم والمظلوم.
المحصلة الثانية هي تنامي ظهور القوى السياسية الراديكالية الأخرى على الجانب السُني وتوحدهم خليجياً وتنسيقهم وعملهم المشترك الذي أصبح الآن مسألة وجود وتهديد مصيري بالنسبة لهم، مما اضطر حتى تيارات الاعتدال أن تفسح لهم الساحة وتنكفئ هي الأخرى وذلك لعجزها وعدم قدرتها التنظيمية في الدفاع عن مكتسباتها.
وكأن هذا هو هدف المخطط؛ أي خلق تيارين متشددين لمواجهة بعضهما بعضاً وإغراق المنطقة في حالة من الفوضى، وبالتأكيد لن تكون فوضى خلاقة.
المَخرج من هذا المنزلق لابد أن يكون بوعي على الصعيد الرسمي والصعيد الشعبي بهذا المخطط والانتباه له وللوجوه المكلّفة بتنفيذه.
الحل يكون بأخذ زمام المبادرة وعدم الاكتفاء أو انتظار الخطوة التالية لخصمك.
الحل هو بعدم وجود خطوط حمراء أو حواجز أمام التفكير في المخارج؛ فعلى الصعيد الرسمي بالإمكان فتح خط التفاوض مع إيران، باستخدام الوساطة العُمانية على سبيل المثال، لإقناع الإيرانيين بحاجتهم لدعم دول المنطقة مقابل رفع يدها عن التدخل في شؤونها والكف عن تصدير ثورتها والتلويح بأوراق الضغط الأخرى التي تملكها دول المنطقة في إيران.
فإيران في النهاية دولة لها مصالحها القومية وبها مشكلاتها الداخلية ومرشحة لأزمات داخلية وإغراؤها ممكن إنما بحاجة لمهندس علاقات يعرف كيف يتفاوض وأوراق ضغط فاعلة بيده.
ثانياً الإسراع بإعلان الاتحاد الخليجي والدمج العسكري بلا تأخير، فالتعامل الدولي والإقليمي مع الكيان الخليجي متحداً غير التعامل معه متعاوناً.
الكف عن تقديم الدعم بلا مقابل لأي اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإن كانوا بحاجة لموقع أسطولهم فليقدموا البرهان على حرصهم على مصالحنا مثلما يريدون منا أن نكون حريصين على مصالحهم، لم تعد تنفع طريقة المجاملات والحياء واستمرار اعتبارهم ذوي فضل علينا، اليوم يوم المصالح المتبادلة فعلاً، فلا خطوة إلا بمقابل خطوة، ولن يحترمنا الآخرون ما لم نعتز بكرامتنا وبقيمتنا، فحاجتهم لنا لا تقل عن حاجتنا لهم.
أما على الصعيد المحلي الداخلي فهناك شرخ يحتاج لرأب الصدع فيه وأول الدواء هو استبدال الوجوه التي تسببت في الأزمة من حزبي الدعوة و الشيرازيين حتى لو تطلب الأمر أن يكون هناك استفتاء شعبي داخل الكتلة الشيعية على قياداتها من جديد، فلا تختطف ذات الوجوه المؤزمة قرار الشيعة وتتحدث نيابة عنهم.
الحل يحتاج للإيثار والتضحية، فالوجوه المؤزمة تبحث عن مخرج لحفظ ماء وجهها وتحقيق مكاسب شخصية لها هي أكثر مما تبحث عن مخرج للجماعة، لهذا لا بد من تغيير الوجوه الموسومة بالخيانة وباختطاف القرار المصيري للشيعة والتسبب في أذيتهم وضررهم بلا مشورتهم وبلا استئذانهم، تلك الوجوه عليها أن تكتفي بما سببته من آلام لجماعتها وتتوارى وتترك المجال لوجوه لم تحترق شعبياً، وهذا يتطلّب حراكاً داخل الجماعة، ليس على المستوى الاجتماعي فحسب، كالجماعات التي تحرّكت لرأب الصدع ولمّ الشمل فتلك لن تؤتي أُكلها، لابد من الحراك على المستوى السياسي وأخذ زمام المبادرة إنقاذاً لما يمكن إنقاذه.
اليوم هناك رفض شعبي حتى للجلوس مع الوجوه المؤزمة قبل أن يكون هناك رفض رسمي، هذا الرفض هو الذي يمنع الآن أي تنازل للسلطة وأي جلوس منفرد مع الوجوه المؤزمة الخائنة، وهذا وضع أكثر من يدفع ثمنه هم الجماعات الشيعية التي ظُلمت واختُطف قرارها بالتهديد وبالاستسلام لقدَرها.
فإن تحرّكت الجماعة تجاه التغيير على الجميع تشجيع مثل هذه الخطوة وفتح الباب تسهيلاً وتشجيعاً وإعطاء الإشارات الإيجابية.
الخلاصة؛ إن هناك مخارج إنما تحتاج لمبادرات وتحرك وعدم انتظار الفعل لتحديد رد الفعل.