زرت بالأمس القريب أحد أصدقائي وهو مدرس ومربٍ سلك باعاً طويل في سلك التدريس والتربية، ودائماً ما أن التقي به إلا ويحدثني عن الأخلاق والتربية والتعامل الراقي وحسن الكلام. لكن تغير رأيي في هذا الشخص 180 درجة بعد أن رأيت هذا الموقف أمام عيني، الذي ناقض كل ما كان يقوله لي في وقت سابق، فتغيرت نظرتي الإيجابية نحو صديقي المربي..! طُرِق باب المنزل ونحن نتبادل أطراف الحديث، وفي خضم الحوار والنقاش، لم نسمع طرق الباب، فدخل أحد أبناء صديقي، يقول لوالده إن شخصاً على الباب، فقال للطفل أذهب لفتح الباب، لكن الأب نادى طفله وقال له إن كان صاحب المنزل فهو يطلب الإيجار، قل له أنا غير موجود في المنزل، لم أصدق أن يصدر هذا التصرف من رجل مربٍ وشخص فاضل تعلمت منه الكثير والكثير. بعد خروجي من هول الصدمة بين مصدق ومكذب، تكلمت مع صديقي عن الموقف غير الحضاري وغير الأخلاقي، وهو المربي والرجل الفاضل والمعروف بالأخلاق النبيلة، قال لي بالحرف الواحد -لا تكن مثالياً-، فذهلت من رد من كنت اعتقد أني أتعلم منه فن الأخلاق وحسن التعامل، وقلت في نفسي إذا كان هذا حال المربي فما هو حال غيره.. مع كل أسف أصبحت حياتنا فيها الشيء الكثير من التناقضات، تعاملاتنا مع بعضنا في جهة وأخلاقنا وتربيتنا في جهة أخرى، فتجد الرجل يعلم طفله على عدم الكذب وهو يمارس صفة الكذب عياناً جهاراً أمام طفله، لهذا أصبح الطفل محتاراً بين كلام والده وفعله، أيصدق ما يقوله الأب عن الأخلاق وحسن التعامل وبين ما يناقضها من أفعال تتنافى مع القيم والآداب.. اليوم نشاهد ونسمع عن الكثير من المظاهر السلوكية والأخلاقية التي تسود حياتنا وهي بعيدة بعد المشرقين عن أخلاقنا وديننا وتربيتنا.. قال لي والدي ناقلاً عن جدي -رحمه الله- إنه في ذلك الزمان القديم وكما أقول دائماً -الله يرحم أيام زمان- ، يقول جدي لوالدي هناك أزمة أخلاق لكنها نادرة وليست متفشية، أما اليوم أنا أقول أصبحت أزمات ظاهرة ومنتشرة، وفيها - كذب - نصب - احتيال - غش - رشوة - محسوبيات - واسطات - سرقة - عدم الالتزام بالوعود - تهرب من المسؤوليات - سب ولعن وكلمات نابية غير جديرة بالتعامل بين البشر.. كل هذه المظاهر السلوكية والأخلاقية والكثير منها، أصبحت هي القاعدة عند الكثير في تعامله مع الآخرين، أما الملتزم بالأخلاق والوعود، وتحمل المسؤوليات، باتت استثناءات تجلب لأصحابها السخرية والعار.. حيث إنني دائماً أسمع كلمة تردد بكثرة (لا تكن مثالياً) ولا أعلم لماذا أصبح الناس في مخيلتهم أن كل من يتعامل بالأخلاق والطيبة وحسن النية والتعامل الراقي أنه مثالي وساذج ومسكين ولن يستطيع العيش في زمن المتناقضات.. حدثني شخص أن سبب الأزمة الأخلاقية هي تردي الأوضاع المالية والمعيشية والحياتية هو ما يدفع الناس تحت ضغط الظروف وتفاقم المشكلات إلى الانحراف عن السلوك السوي والأخلاق السوية، بالله عليكم هل هذه مبررات لنحيا أزمة أخلاق في زمن التحضر والتمدن.. في تصوري أن الأزمات عادة ما تكشف عن المعدن الجيد للناس، والأصيل الذي لا يغيره الزمن أو الحوادث أو أي أزمة اقتصادية أو مشكلة حلت.. ومضة: السؤال هل انهارت أخلاقنا وأصبحت لنا قوانين جديدة غير معلنه نعيش بها كدستور اصطنعناه بأنفسنا لنواكب عصر التقدم والحضارة والرقي..؟؟؟ وهل الأزمات هي التي جعلتنا نحلل الحرام ونحرم الحلال في معظم معاملاتنا، فسخرنا الدين للدنيا وهنا تكمن الكارثة والأزمة الحقيقية..؟؟؟ صالح الريمي
970x90
970x90