كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الصبر، ويحثهم على الثبات، ويغرس في قلوبهم اليقين بالله تعالى، ويضرب لهم الأمثال بالمع ضُرب وجرح، ورجم بالحجارة حتى أُدمي، وخنق وهو يصلي حتى كاد أن يموت، ووضع الأذى على ظهره، وشج رأسه، وكسرت رباعيته، وتآمر المشركون على قتله، وناله أذى شديد، وعذاب أليم، في نفسه وأهله وقرابته وأصحابه، وقد لخص صلى الله عليه وسلم ما أصابه بقوله:«لقد أُخِفْتُ في الله وما يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ في اللَّهِ وما يُؤْذَى أَحَدٌ».ذبين السابقين؛ ليقارنوا ما يصيبهم بما أصاب من كانوا قبلهم
وإننا لنرى أمثلة ذلك في أرض الشام المباركة، نرى رجالا ونساء وأطفالا، يهتفون بالله تعالى ويوحدونه، ويذكرون اسمه ويمجدونه ويعظمونه، قد لجئوا إليه سبحانه في ضرائهم، وركنوا إليه في بلائهم.. تحملوا في ذاته سبحانه من العذاب ما لو أنزل بالجبال لهدها. أراد الطاغوت أن يعبِّدهم لغير الله سبحانه، وأن يظفر منهم بكلمة الكفر، ولهم رخصة في ذلك، لكنهم أبوا إلا العزيمة، وتحملوا أشد العذاب، فمنهم من أحرق وهو يذكر الله تعالى، ومنهم من دُفن حيًّا وهو يذكر الله تعالى، ومنهم مات دعسًا بالأقدام وهو يذكر الله تعالى، ومنهم من قطع جسده حتى فاضت روحه وهو يذكر الله تعالى.. نماذج كثيرة في أرض الشام من الثبات واليقين، تنقل إلينا صورها وأفلامها، وتروى لنا قصصها وأخبارها.. نماذج حولت ما قرأناه عن السابقين من المعذبين إلى واقع عملي نبصره ونسمعه، فلله درهم، ولا يعزى أهل الإيمان فيمن لقي الله تعالى وهو ثابت على إيمانه، مهما كان جسده ممزقا؛ فإن الله تعالى يحيي به أمة من الناس، ويجعله قدوة في الثبات. وتالله لن يضيع ثبات هؤلاء المستضعفين هدرًا لا في الدنيا ولا في الآخرة. أما في الآخرة فأجرهم على الله تعالى وقد عذبوا لأجله سبحانه، وفاضت أرواحهم في سبيله عز وجل.