نشر موقع “ الاقتصادية الإلكترونية” ملخص استطلاع قامت به شركة “ويلكنز كنيدي للمحاسبة”، يحذر من ارتفاع “عدد متاجر البيع بالتجزئة التي أفلست في بريطانيا إلى 38% إلى 670 في الربع الأول من 2012 بزيادة عن 486 في الربع الأخير من العام السابق في الوقت الذي غرقت فيه البلاد في ركود ضخم”. ثم ينقل الموقع عن أنطوني كورك وهو شريك في الشركة، قوله ‘’العام الماضي كان سيئاً ولكن هذا العام أسوأ’’. ويستطرد الموقع مشيراً إلى أنه “من بين أبرز الضحايا في الربع الأول شركة بيكوكس لبيع الملابس وشركة جيم لألعاب الفيديو وشركة كلينتون كاردز لبيع البطاقات والهدايا”. هذا التدهور الذي يعاني منه الاقتصاد البريطاني اليوم ليس مفاجئاً، فهو حصيلة تراكمات لاح نذرها مع اندلاع نيران الأزمة المالية العالمية في الولايات المتحدة، وعبورها المحيط الأطلسي نحو الشواطئ الأوروبية وفي المقدمة منها البريطانية. فقبل ثلاث سنوات، توقع محافظ بنك انجلترا المركزي ميرفى كينغ، ما هو أسوأ من ذلك عندما رسم صورة قاتمة للاقتصاد البريطاني القائم والقادم، محذراً من أن “بريطانيا سوف تواجه في العام 2009 أصعب التحديات الاقتصادية في غضون عقدين من الزمن، معرباً عن اعتقاده بأن معدلات النمو الاقتصادي في بريطانيا سوف تتراجع علاوة على حدوث ركود اقتصادي يترافق مع تراجع في أسعار المنازل والعقارات”. ولم تكن تحذيرات المحافظ البريطاني حينها استثنائية، فقد ظهر في لندن في الفترة ذاتها، الكثير من التنبؤات التي تشير إلى مثل هذا المستقبل المظلم المتربص بالاقتصاد البريطاني، كتلك الإحصاءات البريطانية الرسمية التي استعان بها الكاتب عمر حنين، كي يثبت “مدى حدة الأزمة المالية التي تتعرض لها بريطانيا والانكماش الكبير الذي أصاب الاقتصاد البريطاني. فقد بلغت معدلات الدَّين البريطاني (2009) بشكل عام أرقاماً فلكية غير مسبوقة إذا ما وضعنا في الاعتبار الخسائر الحالية التي تعرض لها القطاع المصرفي البريطاني والديون التي تكبدها بالنسبة إلى استثماراته الخارجية. فقد زادت هذه الخسائر والديون من 100.1 مليار جنيه استرليني في عام 1997 إلى 400.1 مليار جنيه خلال العام 2009”. أي ارتفعت بحوالي 4 أضعاف، خلال ما يقارب من عقد من الزمان. يترافق ذلك كما يورد حنين مع ارتفاع نسبة “الديون المستحقة على المستهلكين والمؤسسات والقطاع العام مقارنة بالناتج القومي الاقتصادي الوطني، التي ازدادت خلال الفترة ذاتها بمعدل 300 في المائة أو ما يربو على 4 آلاف مليار جنيه استرليني”. في تلك الفترة أيضاً، وبشكل مستقل، توقعت مؤسسة “ميريل لينش” لأبحاث السوق، تردي أوضاع الجنيه الاسترليني مقابل عملات دولية أخرى مثل الدولار الأمريكي، عندما كانت العملة البريطانية “مسعرة فوق قيمتها ضد الدولار الأميركي”. هذا ما يجعل تلك العملة، كما تقول “ميريل لينش” تواصل معاناتها من ضغوط شديدة “نظراً لتردّي أوضاع الاقتصاد البريطاني”. هذا دفع بعض المؤسسات المالية البريطانية كي تدق ناقوس الخطر حينها، ولاتزال “باحتمال انهيار الجنيه الاسترليني، جراء تنامي العجز في ميزانية المملكة المتحدة الذي يمكن أن يزيد هذا العام (2012 )، عن 180 مليار جنيه”، متجاوزاً بذلك الرقم القياسي الذي “توقعه وزير مالية المملكة المتحدة اليستر دارلنغ القياسي البالغ 178 مليار جنيه”. حينها (2009) أيضاً، وفي سياق تشخيص الأزمة الخانقة التي كان يمر بها الاقتصاد البريطاني في تلك المرحلة، استفردت صحيفة التايمز اللندنية بمقابلة خاصة وجه فيها وزير المصارف البريطانية لورد ماينرز “انتقادات لاذعة لرجال البنوك في بريطانيا على خلفية أوضاع الاقتصاد البريطاني الذي دخل مرحلة الركود”. لكن ما هو أخطر من ذلك، كان اعتراف الوزير البريطاني في ذلك الوقت “أن النظام المالي البريطاني كانت تفصله أقل من ثلاث ساعات عن الانهيار لولا إعلان أول خطة حكومية للإنقاذ المالي في أكتوبر من العام 2008”. على هامش ذلك، ومن مظاهر تردي واقع الاقتصاد البريطاني أيضاً، هو تنامي عمليات الاحتيال والنصب التي كشف عن بعض منها تقرير صدر قبل أيام عن هيئة الإذاعة البريطانية، ويقدر كلفة حجمها بحوالي “38 مليار جنيه استرليني سنوياً، أي ما يعادل نحو 60 مليار دولار، ويتحمل القطاع العام أكثر من نصفها، كما كلّفت القطاع الخاص 12 مليار جنيه استرليني، والجمعيات الخيرية 1.3 مليار جنيه استرليني، فيما بلغت خسائر الأفراد 4 مليارات جنيه استرليني”. ربما تبدو مثل هذه الظواهر ثانوية، لكن تأثيراتها عميقة عندما يرافقها ركود اقتصادي، وأزمة في تعويم العملة، كما هو الحال في بريطانيا، لكونها تساهم في فقدان السوق المعنية ثقة المستثمرين، الأمر الذي يطيل من أمد الركود، ويقلص من معدلات النمو، ويدخل تلك السوق في دوامة تخبط كتلك التي يشهدها الاقتصاد البريطاني اليوم، خاصة عندما تتلاشى احتمالات أي تطور إيجابي، كما تقول حسابات “ستاندرد آند بورز” التي تتوقع أن ترتفع “المديونية القومية لبريطانيا إلى أعلى مستوياتها مسجلة نسبة 200% من إجمالي الناتج القومي في العام 2050”. لا يعني ذلك استسلام بريطانيا لواقعها المأساوي، لكنها وبدلاً من التقدم في اتجاه لب المشكلة ومعالجتها من الجذور، نجدها تحاول الهروب منها نحو الأمام، كما تتحدث عن ذلك بعض الأوساط المالية، بأن تلقي باللائمة على الأزمة المالية التي تعصف بمنطقة اليورو، وتعتبر “أنها المسؤولة عن تعثر اقتصادها، لاسيما بعد ظهور توقعات بأن بريطانيا سترفض مقترح المفوضية الأوروبية الداعي إلى فرض ضريبة على العمليات المصرفية اعتباراً من العام 2014 رغم تأييد عدة دول أوروبية له وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا”. يمعن المسؤولون البريطانيون، وفي المقدمة منهم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، في التشبث بسياسة الهروب للأمام، في محاولاته التصدي لتلك الأزمة التي تؤكدها الكثير من البيانات والإحصائيات، والمحذرة من مغبة “دخول الاقتصاد البريطاني مرحلة حرجة مع استمرار الانكماش والخسائر التي تسجلها سوق الأسهم البريطانية”، الأمر الذي يؤكد عجزهم في وضع حلول اقتصادية جذرية شافية تنتشل الاقتصاد البريطاني “من الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أكثر من عامين”. محصلة كل ذلك، وبغض النظر عن التبريرات البريطانية، أن هناك خياراً واحداً وأخيراً ربما يساعد بريطانيا على انتشال اقتصادها من صحراء الرمال المتحركة التي يسير فيها، وهو حسب ما يرى مراقبون “مسارعة البنك المركزي البريطاني بضخ مزيد من السيولة لتحفيز النمو وطمأنة الأسواق التي تترجم فيها كافة المخاوف في مواجهة ضعف أسواق التصدير الرئيسة للبلاد