^ يسود في بلدان الغرب المعاصر تصوّران لمستقبل العائلة كنموذج لتنظيم الحياة البشرية، حيث يرى الأول أن الأسرة التقليدية يجب أن تبقى باعتبارها أساس المجتمع، بينما يسعى أنصار التصوّر الآخر بكل ما في وسعهم لتدمير مؤسّسة العائلة، لأنها تقمع حرية التعبير عن الذات. وبين الفينة والأخرى يتم إدخال تعديلات جديدة على السياسات الخاصة بالعائلة، حيث يتم استبدال كلمتيّ “الأب” و«الأم “ بكلمتين مختلفتين، مثل “الوالد رقم 1”، و«الوالد رقم 2”، وهذه الظواهر، كما يؤكِّد ألكسيّ كوموف، مدير مركز تحليل السياسات المتعلقة بالأسرة في روسيا الاتحادية، ليست أحداثاً طارئةً وقعت صدفةً، بل هي سياسات مخططة ومدروسة بإتقان. يرى المعارضون للعائلة التقليدية كمؤسسة اجتماعية هشّة أنها تقيِّد الفرد بعادات وتقاليد ونماذج للسلوك القويم المعتمد في المجتمع، ومن ثم فإن الخطوة الأولى للتحرر من هيمنتها هي تقييد الحقوق الممنوحة للوالديّن في تربية أبنائهم، فابتداءً من سن الرابعة، يجب أن يمتلك الطفل حق اختيار النوع الاجتماعي الذي يرغب الانتماء إليه، ويحقِّق من خلاله السعادة الجسدية. لذا أصبح توسيع نطاق حقوق الأطفال، وتشجيع قيامهم بتقديم الشكاوى في حالة إساءة تعامل آبائهم أو أمهاتهم معهم، أحد الأهداف الرئيسة للمعاهد المهتمّة بالتخطيط لسياسات العائلة في الدول الغربية، لدرجة أنه صار يحق الآن للطفل المطالبة بنزع الأبوّة، ووضعه تحت رعاية الحكومة، والأدهى من ذلك أن هذه القواعد الحديثة باتت تُفرض على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، حيث تُمارس الضغوط على الدول المستقلة، ويُطلب منها تغيير قوانينها الوطنية، والالتزام بتوقيع المعاهدات الدولية الجديدة، والتي من ضمنها تزويد الطفل بالثقافة الجنسية، رغم أنف والديّه، وقد حدث في بريطانيا أن امتنعت أسرة باكستانية عن تثقيف ابنها، فكان السجن مصير ربّ الأسرة. وتوحي معطيات الواقع بأن الفضاء الإعلامي هو المربِّي الأساسي للطفل في العصر الراهن، فوفقاً لحسابات العلماء الأمريكيين، يقع الطفل، حتى سن الثامنة عشرة، تحت تأثير التلفزيون والإنترنت بزمنٍ قدره 65 ألف ساعة، وهو ما يعادل ستة أضعاف الوقت الذي يمضيه في المدرسة، ويكافئ 30 ضعفاً للوقت الذي يقضيّه في الحديث مع والديّه؛ تُرى، هل سنشهد اليوم الذي سيطالبنا فيه أبناؤنا بتفكيك الأسرة التقليدية لأنها تجهل “أساسيّات” التربية العصرية؟!