عشت وترعرعت في حي جلَّ ساكنيه - بسطاء - فقراء - مساكين - ولم يكن والدي أميراً .. ولست ابن وزير، ولا ولد مسؤول شهير، ولا نائب برلماني خطير، ولا من أعيان البلد، ولا عمي تاجر يملك الملايين، ولا خالي دخل بورصات العالمين، ولم أرث من أبي وجدي إلا الملاليم، والحمد لله على أمور الدنيا والدين. قابلت مسؤولين ووزراء، وشخصيات اجتماعية مرموقة، وكبار مشايخ الدين، وتجار مشهورين، وعملت في قناة عربية، وموقع إسلامي شهير، وكتبت لصحف عربية عدة، ولم يمنعني ذلك يوماً من العيش بكل بساطة كبساطة البسطاء. سألني أحدهم يوماً ماذا تملك من الشهادات العلية. ومن والدك؟ كنت أجيب دائماً بكل فخر لم أصل لشهادة عليا - وأبي رجل فقير- أقرب للمساكين عاش عشية البسطاء، لكنه علمني أخلاق سيد المرسلين، وأدب خاتم النبيين، وتعامل صاحب الخلق العظيم. سأخبركم سراً لي علاقات اجتماعية وطيدة من الوزير إلى الغفير، مع ذلك أحب الفقراء، أحب المساكين، أحب البسطاء، أحب الوجوه المبتسمة، أحب أصحاب الهمم العالية، أحب الأنفس المتفائلة، ومن يملك الطباع الطيبة، ومن يجيد التعامل البسيط، ويزور المجالس المتواضعة، ويأنس بالحديث الممتع، بكل بساطة أحبهم لأني أجدهم لا تكلّف في عباراتهم، لا مجاملات في علاقاتهم، يأكلون من الميسور، يكرمون الضيف، ينصرون الضعيف، في عزّ المشكلة يضحكون، حياتهم (ماشية بالبركة) فهم متوكلون على ربهم، لا يفكرون بالمستقبل كثيراً، ينسون الماضي في غمضة عين، يعيشون كل لحظة كما هي بدون بهارات الحياة، الهم يحيط بهم من كل جانب، ثم تجدهم لا يأبهون إلا بيومهم الذي يعيشونه، دائماً هم سعداء في كل لحظات حياتهم، أولئك البسطاء لا يعرفون عن الحياة إلا الشيء البسيط. أعود إلى حياة البسطاء، فطبعهم جميل وأخلاقهم طيبة، فقد تعلمت منهم الابتسامة والعفوية والبساطة في التعامل والتغافل عن المنغصات. البسطاء..هم أهلي وجيراني وأحبابي وأصدقائي وزملائي، فأنا أحبهم وأحب التقرب منهم والعيش في كنفهم ومساعدتهم في حلِّ مشاكلهم، والغوص في أحزانهم، ومشاركتهم همومهم، والفرح لفرحهم، ويومي يكون أكثر سعادة عندما أرى الابتسامة المشرقة على محياهم الوضاء. والتعامل بكل بساطة وعفوية مع الأعداء قبل المحبين، يجعلك تملك الكثير من قلوب الناس أجمعين، لذا أعترف أنَّ البسطاء هم مني وأنا منهم، وأفتخر بهم وبتواصلهم وكل ما يربطني بهم. ومضة الإنسان البسيط : الذي يعيش حياته بكل بساطة، وتجد حياته مع زهدها لكنها جميلة بالنسبة إليه، سعيداً بما يملك، حتى ابتسامته للآخرين بسيطة كبساطة حياته، وأحياناً تجده متغابياً لا يسأل كثيراً عن كل شيء وعما يدور حوله، وتجده يختصر عناء الآخرين في البحث عن السعادة لسنوات طويلة. صالح الريمي