^ يحللون المشهد، ويقولون بأن ما أشعل الفوضى في البحرين وما قاد إلى مؤامرة الانقلاب هو تخطيط لجهات خارجية يتم تنفيذه من قبل جهات داخلية، وإيران هي المتهمة الأُولى بتحريك كل الأمور، لكن يبقى هذا التحليل منقوصاً، باعتبار أن هذه الفوضى لم يكن لها أن تتحرك إلا حين وجدت «حاضنة دولية» لها. وثائق الويكيليكس التي كشفت عن علاقات المعارضة واتصالاتها بالسفارة الأمريكية هي بحد ذاتها دليل على أن «صفارة الانطلاق» كانت صادرة من قبل الحليفة والتي قدمت كل دعم معنوي وحتى تدريبي لعناصر قادت الفوضى. البحث والتساؤلات والنقاشات في هذه اللقاءات كانت تتمحور دائماً حول أُسرة آل خليفة المالكة، كان حديث المعارضة عن التغيير في أعلى الهرم، وعن تحويل الدولة إلى دولة مذهبية، وعن أفضل الطرق لاختطاف صناعة القرار فيها. الولايات المتحدة التي نطالبها اليوم بأن تقول كلمة حق هي أفضل العارفين بتفاصيل اللعبة الدقيقة، تعرف تماماً كيف دارت الأمور، وتعرف قبل الكل كيف هو الارتباط الإيراني بالانقلابيين في الداخل. لسنا ممن يحتاج إلى إثبات ضلوع إيران للولايات المتحدة الأمريكية، فالأخيرة تعرف تماماً ما يحصل في البلد، خاصة وأن سفراءها لم يلعبوا أبداً دور السفراء الاعتيادي، بل مارسوا عملاً سياسياً على الأرض عبر التدخل في الشأن المحلي «عيني عينك». المعارضة بنفسها تعرف تماماً أن ضمان استمرار «الحضانة الأمريكية» مرتبط بعملية المكاشفة التامة مع صناع القرار فيها، بالتالي لا أصدق من يقول من الأمريكان بأنهم لا يعرفون تماماً ما يحصل في البحرين وما هو الهدف مما يحصل أصلاً، إذ لم تصل الأمور إلى ما وصلت إليه إلا بعد أن وضعت الأطراف المؤزمة أوراقها مكشوفة على الطاولة الأمريكية. تغيير الشرق الأوسط هو مشروع أمريكي بحت وضعت ملامحه منذ سنوات، وبدأ عمله بهدف واضح قائم على استبدال وتغيير الأنظمة حسب ما تقود إليه مسارات المصلحة والاستفادة. اليوم مصلحتهم مع النظام فإنهم سيدعمونه بقوة وسيبررون له كل شيء، وغداً مصلحتهم مع المعارضة بالتالي سيتحدثون بلغة تدعمهم وتضغط على الدولة، وهكذا دواليك. مصير كثير من الدول لعبت فيه الولايات المتحدة، استقرار الدول كان ومازال يُدار على طاولة روليت أمريكية، أي رقم سيحقق الفائدة يوضع عليه الرهان الأكبر، ولا ضير من التجربة مراراً وتكراراً، إذ لعل بعض الأرقام تصيب أكثر من مرة. التلاعب في الدول هواية نعرف تماماً من يحبها ويعشقها، اللعب على الحبلين جملة وجدنا تجسيداً واقعياً لها بالفعل عند الحليفة الأمريكية، تصدر بياناً فيه إدانة لاستخدام «المولوتوف» ثم تعقب بجملة أخرى تدعم فيها الإرهاب وصنّاعه. ليتهم فقط يخبرونا بالمعايير التي استندوا عليها في «إخماد» و»قمع» حركة «وول ستريت»، أليست نوعاً من الممارسة الديمقراطية في التعبير عن الرأي؟! أليست حركة احتجاجية سلمية لم تستخدم «المولوتوف» ولم تستهدف الشرطة ولم تقتلهم؟! احترام سيادة الدول جملة تُقال لذر الرماد في العيون، لكن الحقيقة تكمن في التدخلات الدائمة في شؤوننا، وأخطرها الناتج عن اجتماعات سرية وخفية ومشبوهة. تخيّلوا أن الأمريكان كانوا طرفاً مؤثراً في سير المحادثات الأُولى بشأن الحوار مع سمو ولي العهد عبر تأثيرهم على المعارضة، تخيّلوا أنهم سبب في خلق هالة من التشويش والبلبلة لدى المعارضة خاصة حينما تتصادم رؤاهم مع توجيهات الولي الفقيه، بحيث عاشت المعارضة قلقاً دائماً من فقدان «حاضنتها الأمريكية». البحرين عليها الوصول إلى «نقطة شديدة الوضوح» مع الحليفة الأمريكية، هل مازال الحلفاء داعمين لمن يريد إشاعة الإرهاب في بلدنا، أم أنهم بالفعل دعاة للسلام والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان أي إنسان؟! وجهنا أسئلة عديدة للسفير الأمريكي في البحرين لكنه لم يجب عليها إطلاقاً، رغم أنهم يدعون احترام آراء الناس العاديين ويبررون تواصلهم مع الجمعيات على أنها من منطلق التواصل، ونحن مقتنعون أصلاً بأن أية إجابات لن تأتينا نحن أبداً، خاصة ونحن نرى بأن واشنطن وعبر سفارتها في البحرين لعبت دوراً فيما وصلت إليه بلادنا. هل الدولة قادرة اليوم على مساءلة الحليفة عن حقيقة موقفها، لا بكلام دبلوماسي اعتيادي، بل بكلام واضح وصريح يضع النقاط على الحروف. هل مازلتم حلفاء لنا تعملون وفق معايير العدالة والإنصاف، أم أنكم تمارسون دوراً مزدوجاً يميل لكفة من يريد سرقة البحرين؟! لسنا نأتي بكلام من وحي خيالنا، عبدالهادي الخواجة قال في الدوار للمتواجدين فيه بأن الولايات المتحدة قالت لهم إن كنتم تريدون إسقاط النظام فابقوا في الدوار! وهنا بالتأكيد يعرف الأمريكان عن ماذا نتحدث.