^ من الأمور المثيرة في البحرين أنه يمكنك أن ترى قسماً لبيع العلكة والكاكو والأمشاط في صيدلية، ويمكنك أن ترى قسماً لأنواع العطور والصابون في محل أغذية في جزء منه مخبز يوفر الخبز بأنواعه، وكذا في محلات أخرى تبيع بضاعة لا تندرج تحت اللافتة التي تصنف هذا المحل أو ذاك، فتستغرب وتقول إنه غير معقول وغير مقبول وإنه لا يجوز. ولعلك تتخذ موقفاً من المحل المتورط في هذا الخلط فتتوقف عن التعامل معه، ولعلك تقول في داخلك أو لمن هو منك قريب “وين وزارة التجارة عنهم”. لكن الأكثر إثارة هو أن الخلط في البحرين غير مقتصر على بيع العطور في مخبز أو بيع الحلويات في صيدلية أو بيع العسل في محل مخصص لبيع المعسل، فهو يتجاوز ذلك إلى الخلط في المهام والوظائف، لهذا لم يعد غريباً أن يخلط بعض الحقوقيين بين دورهم الحقوقي وبين العمل السياسي والقيادي الميداني فيقودون المظاهرات ويدعون إلى الاعتصامات ويشاركون فيها. هذه واحدة من الأمور التي تؤخذ على نبيل رجب، ولعل كل من تسأله عن رجب يبدي هذه الملاحظة ويتساءل إن كان هذا الخلط متعمداً أم معبراً عن قصور في الفهم وهو الأمر الذي يفترض استبعاده، في حالة نبيل رجب يخلط بين دوره كحقوقي ودوره كسياسي يريد أن يكون له شأن في العمل الميداني وصولاً إلى (التخصص) في قيادة المظاهرات في العاصمة! للحقوقي دور مهم في رصد الحالات ومساعدة أصحابها في التعبير عن أنفسهم وتوصيل شكاواهم إلى من يمكنه أن يساعدهم ويعيد إليهم حقهم المنتهك ولو معنوياً، لكن بالتأكيد ليس دوره المشاركة في المظاهرات وصولاً إلى قيادتها، تماماً مثل الصحافي الذي يطلب منه تغطية مظاهرة معينة أو اعتصام ولكن ليس دوره المشاركة فيها وإنما نقل ما يدور وما يراه فقط. أيضاً لا يمكن -حسب المنطق على الأقل- أن يهتم الحقوقي بحالات دون حالات لأن الجميع إنسان، وبالتالي فإن عليه أن يسارع بمساعدة الإنسان المنتهكة حقوقه بغض النظر عن أي شيء، حيث ينبغي عليه أن يعتبر الجميع سواسية وأن يقف معه ويدافع عنه بغض النظر عن مواقفه وآرائه وعمله وأصله وفصله وجنسه وجنسيته لأنه يكفي أن يكون إنساناً وأن تكون حقوقه قد انتهكت ليدافع عنه. هذا الخلط بين الدورين للأسف الشديد موجود في حالة نبيل رجب، وربما هناك حالات أخرى مشابهة لحقوقيين يمارسون دوراً سياسياً أو ميدانياً يفترض ألا يتورطوا فيه، فالحقوقي حقوقي ومهمته المراقبة والرصد والدفاع عن أولئك الذين يتم انتهاك حقوقهم بطريقة أو بأخرى وبغض النظر عمن قام بالانتهاك. هذا هو دوره، بمعنى أنه ليس مطلوباً منه المشاركة في المظاهرات والاعتصامات والمسيرات وليس مطلوباً منه قيادة الاحتجاجات أو حتى التصريح عنها فدوره ينحصر في الرصد والمراقبة والدفاع عن كل من تنتهك حقوقه حسب القوانين المعتمدة دولياً. ما يجري في البحرين ينطبق عليه القول الشهير لـ “بابا ياسين” الذي يكرره في برامج الأطفال التي اشتهر بها حيث يردد دائما قوله (خلّط بلّط) ليشيع الفرح بين الأطفال المشاركين معه والمشاهدين، فما يجري بالفعل خلط للأشياء يحتاج من يكرر معه قول بابا ياسين هذا. ليس خلطاً متعلقاً ببيع مواد في محلات مجالها بعيد عنها، ولكنه خلط لدورين نقيضين، فلا يمكن للحقوقي أن يكون سياسياً ولا يمكن له أن يحرض على مظاهرة أو يشارك فيها، حيث دوره هو المراقبة والرصد ومن ثم الدفاع عمن يتضح أن حقوقه قد انتهكت من طرف أو أطراف.
970x90
970x90