^  الكاتب الرائع الراحل عبدالله العباسي رحمه الله يمثل حالة فريدة من نوعها من بين الكتاب الصحافيين في البحرين، ليس لأسلوب نقده الساخر دائماً، أو حضوره الفاعل في مختلف الفعاليات، أو شبكة علاقاته الواسعة التي لا تنتهي. وإنما لنظرته الفريدة للأمور والقضايا، وهي نظرة تتسم بواقعية أكثر من اللازم، فضلاً عن الصراحة في الطرح. بعد انتهاء عزاء المغفور له بإذنه تعالى أجد نفسي مندفعاً كثيراً نحو الكتابة قليلاً عن هذا الكاتب الفريد الذي قد يعرفه القلة من أبناء هذا الجيل، أو جيل الثمانينات فما فوق. رغم أنني لا أنتمي للجيل الصحافي الذي جاء منه الراحل العباسي، وبيننا أجيال عدة. شخصياً لم تتوطد علاقاتي بالكاتب العباسي الراحل إلا في العام 2005 عندما تأسست (الوطن) وكان من الأسماء المطروحة في الكتابة بالصحيفة. في ذلك الوقت كنت أشرف على صفحة الرأي، وكنت أحاول إنهاء التعاقدات المطلوبة مع نخبة من كتاب الرأي داخل وخارج البلاد. حينها جاء الدور على الاتصال بالكاتب العباسي الذي رحب فوراً بالانضمام إلى أسرة كتاب الصحيفة قيد التأسيس، وطلب مني طلباً غريباً! استفسرت منه عن طلبه، فقال: كتاباتي نقدية بشكل قد لا يتسع فيه صدر القراء أو المسؤولين، ولذلك أطلب منك شخصياً إيقاف مقالاتي عندما تراها تحمل من النقد الشيء الكبير الذي لا يستحمله أحد سوى من كتبها! مازالت هذه الكلمات ترن في أذني رغم مرور نحو 7 سنوات عليها. واللافت فيها أنه الكاتب الوحيد الذي أتعرف عليه ويطلب من المؤسسة الصحافية التي يتعامل معها إيقاف كتاباته إذا كانت متطرفة في الرأي وتحمل نقداً مفرطاً قد لا يقبله الجمهور. فعادة كتاب الرأي البحث في كيفية ضمان نشر كافة ما يكتبونه دون المساس بأي كلمة منها لأن لديهم حساسية مفرطة تجاه تغيير أي حرف فضلاً عن أي كلمة. زاوية أخرى لافتة في طريقة تعامل الكاتب العباسي أنه كان أكثر الكتاب البحرينيين غزارة في الإنتاج. إذ عادة ما يرسل الكاتب مقالاً واحداً لصحيفته في اليوم الواحد، بل يتأخر في أحايين كثيرة عن موعد تسليم المقال. أما الكاتب العباسي فإنه كان فريداً في إنتاجه، إذ تتراوح مقالاته في اليوم بين 3ـ5 مقالات، ومعظمها ليس قصيراً. في ضوء ذهولي آنذاك من غزارة الإنتاج، طرحت عليه يوماً سؤالاً؛ بو عيسى.. كيف تكتب هذا الكم الكبير من المقالات في اليوم؟ فكانت إجابته بمثابة السر لمن يرغب في الكتابة أو يحترفها: قم بإعداد قائمة من العناوين والمواضيع التي تتعرف عليها منذ الصباح حتى المساء، وفكّر فيما تكتب، ولا تفكر كيف تكتب؟ باختصار سر كتابات العباسي اختصرها في الآتي: «فكّر فيما تكتب ولا تفكّر كيف تكتب». أعتقد أنها كلمات عظيمة لمن يفقه مهنة الكتابة هذه الأيام. رحم الله الكاتب العباسي وأسكنه فسيح جناته.