أكد مستشار جلالة الملك للشئون الدبلوماسية رئيس مجلس امناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة محمد بن عبد الغفار ان دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى دول مجلس التعاون للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، جاءت لتعكس تحولاً في الفكر الاستراتيجي لدى دول المجلس بما يتناسب مع ضرورات الأمن الوطني والأمن الإقليمي لهذه المنظمة الإقليمية الهامة.
وأكد المستشار محمد بن عبد الغفار في كلمته امام مؤتمر "أمن الخليج العربي الحقائق الإقليمية والاهتمامات عبر الأقاليم" الذي بدأ أعماله في مملكة البحرين صباح اليوم بتنظيم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة , بالتعاون مع المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدفاعية والأمنية بفندق سوفتيل بالبحرين، ان قضايا الأمن في منطقة الخليج العربي تتبدل وفقاً للمتغيرات الإقليمية والدولية التي تتفاعل مع ما يجري في هذه المنطقة من تجاذبات وإستقطابات لضبط مصالح القوى الفاعلة على ساحة هذه الرقعة الجغرافية الهامة.
وأضاف مستشار جلالة الملك ان التحولات التي يشهدها العالم العربي ومناطق أخرى من العالم تحتم على الدول والمنظومات الإقليمية مواجهتها باستراتيجيات مستحدثة تتوائم وعظم تلك التحولات، خاصة وأن بعض تفاعلاتها أصبحت تشكل مهددات للأمن الداخلي والأمن الإقليمي لدول المجلس.
وأكد محمد بن عبد الغفار أن هذه الفكرة تمثل توجهاً استراتيجياً لدى قيادات من دول مجلس التعاون بدعم من شعوبها التي تطمح إلى تحقيق التلاحم في مواجهة تحديات مشتركة جديدة لم تألفها المنطقة من ذي قبل، فضلاً عن أن تلك الدعوة تعد إدراكاً واعياً بعمق التحولات الراهنة لهذه الدول التي يجمعها هدف ومصير واحد.
ونوه مستشار جلالة الملك الى إن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة لا تقل أهمية عن التطورات السياسية؛ الأمر الذي يحتم على دول المجلس أن تبادر إلى تطوير برامج التنمية البشرية وتبني الإصلاح الاقتصادي الشامل؛ والاهتمام بقطاعات الثقافة والفكر؛ إذ إن دولنا أحوج ما تكون إلى نهضة فكرية تسهم في وضع أسس جديدة لحراك مجتمعي قادر على الانعتاق من الموروثات السلبية المؤثرة على تماسك المجتمع، وطرح معطيات جديدة تتناسب مع مستوى التحولات التي تمر بها المنطقة.
واشار الى ان في التاريخ دروس مستفادة؛ فعندما اعترى مدارس الفكر التقليدية القصور في التأقلم مع مستجدات المرحلة؛ شهدت الساحة الغربية حراكاً فكرياً شبابياً في حركتي مارس ومايو من عام 1968 والتي قاد فيها الجيل الشبابي من طلبة الجامعات حركة فكرية تنتقد المدارس الفكرية التقليدية التي لم تتمكن من مواكبة المستجدات آنذاك.
وبين مستشار جلالة الملك ان هذه الحركة نجحت في توعية شعوب الغرب بضرورة الخروج من بوتقة المدارس السياسية المنغلقة على نفسها إلى آفاق الإبداع والتجديد، وطرح معطيات فكرية جديدة خارج التصنيفات التقليدية التي مزقت المجتمع ومنعته من التطور والتحديث.
وقال أن الشعوب العربية اليوم بحاجة إلى نهضة فكرية تتخطى الموروثات السلبية التي مزقت أواصر المجتمعات وشتتها على أسس مذهبية واثنية، وأن تؤسس لظهور مدارس فكرية جديدة تتحرر من التأثير السلبي للإيديولوجيات المتطرفة والجماعات المتشددة، والتي يجب أن تبنى على أسس المواطنة في إطار التنمية السياسية والاقتصادية.
ولفت محمد بن عبد الغفار الى إن منطقتنا تشهد أحداثاً فاصلة تؤذن بتحولات كبيرة وعميقة، مما يفرض علينا أن نبادر إلى تبني استراتيجيات جديدة تتواكب مع هذه التحولات.
وقال انه من هنا جاءت فكرة هذا المؤتمر، آملين أن يسهم مناخ الحوار والنقاش في تقديم مرئيات مستقبلية لفهم تلك التحديات وإيجاد حلول لها.
وأوضح مستشار جلالة الملك ان المؤتمر سيناقش مجموعة من القضايا التي تتعلق بالمستجدات الأمنية والمسائل بالغة الأهمية بالنسبة للأمن الوطني والأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون، حيث تتناول جلساته مناقشة سبل تعزيز آليات التعاون بين دول المجلس؛ انطلاقاً من معاهدة الدفاع المشترك التي هدفت إلى تحقيق التكامل الأمني والعسكري، وبخاصة على صعيد الأمن الجماعي (collective security)، من خلال ربط مراكز عمليات القوى الجوية والدفاع الجوي بدول المجلس آلياً، وربط القوات المسلحة في دول المجلس بشبكة اتصالات موحدة، فضلاً عن تعزيز قدرات الدفاع الجوي بمختلف أنظمة الدفاع الصاروخية، وفق الاستراتيجية الدفاعية الشاملة التي تم اعتمادها في قمة الكويت عام 2009، إضافة إلى ما تم إقراره في الاجتماع الأخير لدول المجلس فيما يخص تأسيس مركز إقليمي بحري عسكري مشترك تناط به مسؤوليات متعددة تتعلق بأمن البحار، والبيئة البحرية، والمرور الحر، وإنقاذ السفن، والتعامل مع الكوارث، وكل ما يتعلق بأمن الملاحة في الخليج العربي.
كما تستعرض جلسات المؤتمر تأثير المستجدات الإقليمية على الأمن المحلي، ودور القوى الدولية الفاعلة في المنطقة، وواقع السياسة الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ومستقبلها وتأثير ذلك على دول المجلس التي أبدت موافقتها المبدأية على دراسة مشروع إنشاء درع صاروخية في المنطقة، فضلاً عن تنامي اهتمام بريطانيا بتطوير علاقاتها الأمنية والدفاعية مع دول المجلس.
كما يتناول المؤتمر علاقات إيران بدول المجلس باعتبارها دولة هامة في المنطقة، إلا أن الاختلاف بينها وبين دول المنطقة والمجتمع الدولي في كثير من القضايا يتطلب حواراً جاداً حول إيجاد آليات تفاهم مشترك بهدف تحقيق الاستقرار والسلام الدائم في الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا كانت إيران راغبة في التعاون مع الأسرة الدولية لحل مشكلة ملفها النووي، وتغيير سياساتها الخارجية تجاه جيرانها، بعيداً عن استخدام أدوات تقع ضمن دائرة التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول، وتوظيف الخلافات الإيديولوجية، ومد الشبكات التابعة لها في نطاق دول أخرى ذات سيادة مما يهدد أمن هذه الدول واستقرارها.
ويتناول المؤتمر كذلك تأثير الأحداث الإقليمية على الأوضاع الأمنية في الخليج العربي؛ حيث تواجه الديبلوماسية الخليجية تحديات غير مسبوقة تتمثل في ضرورة ترسيخ العمل المشترك لاحتواء الأزمات السياسية التي تواجهها بعض دول المنطقة، والعمل على تقليل مخاطرها الاجتماعية والاقتصادية، وذلك في الوقت الذي تواجه فيه العديد من الدول العربية صعوبات في سبيل تجاوز أزماتها السياسية، وتحقيق الأمن والاستقرار، في ظل تزايد نشاط جماعات التطرف التي تجد من الفوضى السياسية في المنطقة مناخاً خصباً لتوسيع دائرة شبكاتها.
ويتعرض المؤتمر كذلك لتحليل الدور المتنامي للقوى الفاعلة خارج إطار الدول، والتي تطور نفوذها وازداد تأثيرها في السياسات الإقليمية والدولية على نحو غير مسبوق، وذلك من خلال تناول ظروف نشأة هذه القوى، والمشكلات التي ارتبطت بظهورها وتعاونها مع بعض القوى الأجنبية دون أن تضع الأهداف الوطنية بعين الاعتبار.