كتبت – مروة العسيري:

دعا قانونيون لتفعيل مواد وأحكام التحريض على الأشخاص الذين تورطوا وساهموا في أحداث البحرين المؤسفة، وأكدوا وجوب تحريك الشكوى في مواجهتهم مع الفاعلين الأصليين لكي ينالوا جزاؤهم للحد من أفعالهم التحريضية المغرضة، وعرّف القانونيون التحريض على أنه “خلق فكرة الجريمة وخلق التصميم عليها في نفس الجاني بأي وسيلة كانت”، واستذكروا ضحايا التحريض من المواطنين الآمنين والذين تضرروا من الجرائم الإرهابية التي يقوم بها المغرر بهم من قبل المحرضين كالمواطنة رانيا وابنها عبدالله والشهيد أحمد الظفيري وقطع لسان المؤذن وإصابة زهرة بسيخ حديدي أودى بحياتها إضافةً إلى المسن سائق سيارة الأجرة راشد المعمري وغيرهم من الآمنين الذين راحوا ضحية هذا التحريض المباشر وغير المباشر، وبينوا أن هناك من يحرض بطريقة غير مباشرة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا أو حتى من خلال الندوات والمؤتمرات التي تنظمها بعض الجمعيات، إضافة إلى التحريض على العنف باستخدام المنابر الدينية ومنها فتوى “اسحقوهم” المشهورة.

المحرّض شريك في الجريمة

وأكد المحامي أحمد عراد أهمية تفعيل مواد التحريض على الأشخاص المساهمين في أحداث البحرين بتحريك الشكوى في مواجهتهم مع الفاعلين الأصليين لكي ينالوا جزاءهم للحد من أفعالهم التحريضية المغرضة، وقال إن المادة (44) من قانون العقوبات نصت على أنه (يعّد شريكاً في الجريمة من حرّض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض، 2- من اتفق مع غيره على ارتكابها فوقعت بناء على هذا الاتفاق، من ساعد الفاعل بأية طريقة على ارتكابها مع علمه بها فوقعت بناء على هذه المساعدة) “، مبيناً “ تقوم المساهمة التبعية أو الاشتراك على ركنين أولهما الركن المادي هو السلوك الإجرامي للشريك والركن المعنوي وهو قصد الاشتراك “، مبيناً” يتمثل النشاط الإجرامي للشريك المحرض على أولاً التحريض، والاتفاق، والمساعدة وتم حصر تلك الوسائل لأن الأفعال التي يقوم بها الشريك لا تمثل جريمة في ذاتها والنص عليها وعلى سبيل الحصر يمثل ضمانة للأفراد”.

النشاط الإجرامي للشريك

وأوضح عراد أن التحريض هو خلق فكرة الجريمة لدى شخص ثم تدعيمها كي تتحول إلى تصميم على ارتكابها فالتحريض بذلك هو نشاط يسبق ارتكاب الجريمة وقد يتخذ أكثر من شكل فقد يكون شفاهة أو كتابة أو الإشارة التي لها معنى محدد والقانون لا يعتّد بشكل التحريض حيث إن العبرة بوقوع التحريض بالفعل بصرف النظر عن الشكل الذي يتخذه وما يقدره قاضي الموضوع وفقاً للظروف وملابسات كل واقعة على حدة ومن خلال نص المادة رقم (44/1) من قانون العقوبات البحريني نجد أن المشرع البحريني لم يضع شروطاً في التحريض خلافاً لبعض التشريعات الجنائية المقارنة والتي تشترط أن يكون التحريض مصحوباً بالهبة أو الوعد أو استغلال السلطة على الفاعل الأصلي، فالقانون البحريني ترك الأمر لقاضي الموضوع ليحدد في كل واقعة مدى تأثير فعل التحريض على توجيه إرادة الفاعل الأصلي، وهو ما أكدته محكمة التمييز في العديد من أحكامها.

وقال عراد إنه يشترط في التحريض أن يوجه لشخص محدد أو أشخاص محددين، وضرب مثالاً (كأن يقوم داعية أو رجل دين يفترض فيه الإصلاح والتوجيه بأن يتلي خطبة في مأتم أو مسجد ويطلب من مريديه بأن يسحقوا رجال الشرطة) أو شخص يجلس خلف مواقع التواصل الاجتماعي ويبدأ بأن يحرض متابعيه على أعمال العنف والعصيان المدني وضرب مواقع تخدم أهالي المنطقة أو ضرب الاقتصاد والعمل على تهجير رؤوس الأموال وغيرها من الأساليب التحريضية، فإذا كان التحريض عاماً موجهاً لكافة الناس بغير تعيين فالأصل ألا يعتبر اشتراك ولو استجاب له أحد الأفراد وأقدم على ارتكاب الجريمة مثال ذلك التحريض للقيام بأعمال تخريب أو تفجير لإحدى منشآت الدولة كما هو حاصل الآن من خلال تحريض العاملين في المنشآت الحكومية، والقانون أحياناً يجعل التحريض العام جريمة مستقلة مثل ما نصت عليه المادة(156) من قانون العقوبات البحريني والمعدلة بالمرسوم بقانون رقم (9) لسنة 1982 والتي تنص بأنه (من حرض على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المواد (147) و(153) والفقرة الثالثة من المادة(155) يعاقب بالسجن إذا لم يترتب على هذا التحريض أثر) والمواد (147) حتى (153) تندرج في طائفة الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي “.

إثبات التحريض

وكشف عراد أن إثبات التحريض قد يكون عن طريق مباشر مثل الاعتراف أو المحرر المكتوب مثلاً إلا أن التحريض غالباً ما يتم إثباته عن طريق القرائن خاصة سلوك الشخص عقب ارتكاب جريمته ولقاضي الموضوع السلطة في ذلك بأسباب سائغة تتفق مع المنطق والقانون، وبين أن المشرع البحريني وفقاً للقانون(58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، نص في المادة رقم (17) منه على أنه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن خمس سنوات كل من حرض غيره على ارتكاب جريمة تنفيذاً لغرض إرهابي ولو لم يترتب على فعله أثر)”، مشيراً إلى “إن هذا الخروج عن القواعد العامة في عقاب المحرض على ارتكاب جريمة تنفيذاً لهدف إرهابي تبرره مدى خطورة الأعمال الإرهابية المؤدية إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المملكة وأمنها للخطر أو الأضرار بالوحدة الوطنية مما يتطلب تشديداً خاصاً لعقاب المحرض على تلك الأعمال الإرهابية حتى ولو لم يترتب على فعله أثراً “، مضيفاً “وإسقاطاً لهذه المادة على واقع البحرين الحاضر هو الجرائم الإرهابية التي يقوم بها المغرر بهم من قبل المحرضين الجالسين خلف أسوار بيوتهم أو جمعياتهم أو من خلال هواتفهم الذكية عن طريق برامج التواصل الاجتماعية نتيجة التحريض وكل الأفعال التي أتت على المجتمع المدني تقع ضمن الإرهاب الممنهج ضد الآمنين في بيوتهم وإعمالهم مثال المواطنة رانيا وابنها عبدالله والشهيد أحمد الظفيري وقطع لسان المؤذن ووفاة زهرة بسيخ حديدي، ومقتل المسن سائق سيارة الأجرة راشد المعمري وغيرهم من الآمنين الذين راحوا ضحية هذا التحريض المباشر وغير المباشر.

وأضاف عراد أن نشاط المحرض ذو طبيعة معنوية تعبيرية بمعنى أنه يهدف إلى التأثير على نفس الفاعل بما يحمله بعد ذلك على ارتكاب الجريمة، وإنه لا يخلق فكرة الجريمة في نفس الجاني وحسب، بل يواصل الإلحاح عليها حتى يقطع على الجاني سبيل العدول عنها فمبدأ التحريض هو بث الفكرة لكن غايته ومنتهاه ومقصده هو خلق التصميم عليها باقترافها، كما إن التحريض ينتمي إلى دائرة الأفكار والنوايا، لا دائرة الأفعال والنتائج ومن ثم إذا يخاطب المحرض فكر الجاني وعقله”.

جميع القوانين تدين التحريض

وأكد النائب خميس الرميحي أن كل القوانين البحرينية: العقوبات والإرهاب والجنائي وأمن الدولة تدين المحرض، واعتبرت المحرض شريك الفاعل”، مبيناً “ لقد طالبنا كثيراً كممثلين عن الشعب وزارة الداخلية بإحالة وضبط المحرضين وإدانتهم عن طريق هذه القوانين وتطبيقها ليتم ردع كل من تسول له نفسه اللعب بالكلمات وتحريض الشباب والمراهقين والبسطاء من أجل نشر أعمال الشغب والفوضى متأملين من ذلك أن يتم الضغط على السلطات لتحقيق أجنداتهم المرسلة من الخارج “.

ونوه الرميحي إلى أن الأثر والأضرار الناتجة عن التحريض غالباً ما تكون أقوى من الفاعل نفسه لأن المحرض قد يؤثر على عدد من الأشخاص وليس شخصاً واحداً، واعتبر أن المحرض هو أداة الشحن بالحقد والكراهية لتفجير طاقات الشباب توجيهاً له بطريقة أو بأخرى ليكون متمرساً في العدوانية والأعمال الإجرامية والإرهابية، وأشار إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تم استخدامها بقصد التحريض، لذلك أوجد المشرع البحريني نصوصاً قانونية تدين من يستخدمها بقصد التحريض وتتلاءم وحجم الضرر الناتج في المجتمع من ورائها.

واتفقت المحامية فوزية جناحي مع المشرع البحريني في خروجه عن القواعد العامة بأن قرر للمحرض عقوبة حتى ولو لم يكن لتحريضه أثر”، مشيرة إلى أن المشرع قد وضع في عين الاعتبار الوضع الراهن الذي تمر به البحرين من تحريض من بعض الجهات لصغار السن من أجل ارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون وتهدد سلامة البحرين بشكل عام وسلامة المواطنين والمقيمين على حد سواء بشكل خاص.

وبينت جناحي أنه شتان بين التحريض وحرية التعبير عن الرأي حيث إن التحريض قد قام بتحريمه القانون وفي نفس الوقت فإن حرية التعبير عن الرأي ربما يعاقب عليها القانون إذا ما تجاوز الأمر للضوابط والأحكام التي تنظم هذه الحرية والتي يجب أن تكون موضوعة في إطار لا يمس بسلامة الوطن أو بشرف أو كرامة كل من يعيش فيه”.

وأوضحت جناحي كذلك أن المادة 59 من قانون الطفل أدانت التحريض ونصت على “يحظر استغلال الطفل في مختلف أشكال الإجرام المنظم وغير المنظم بما في ذلك زرع أفكار التعصب والكراهية فيه، وتحريضه على القيام بأعمال العنف والترويع”.