^   كشف تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، خلال الثمانية أعوام الماضية، الكثير من الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة، فديوان الرقابة في الأصل أُنشئ لأجل هذه المهمة الوطنية الحساسة، وهي الحفاظ على المال العام وعدم التراخي مع كل المتجاوزين. بالفعل، فإن ديوان الرقابة عمل كل ما بإمكانه أن يعمله، رغم امتلاكه صلاحيات يستطيع بموجبها أن يقدم كل من ثبت بالدليل القاطع (وكل التقرير دليل قاطع) تورطه بقضايا الفساد إلى النيابة العامة، ليأخذ العدل مجراه. لقد صيغ التقرير بطريقة احترافية مختصة، مما لا يدع مجالاً للشك في نوايا وأسلوب معالجة كافة أنواع الفساد من قبل مُعِدِّيه، واليوم فإن الكرة في أحضان الحكومة وأعضاء مجلس النواب. من جهة أخرى تستطيع الحكومة بعد امتلاكها للتقرير أن تقدم كل المفسدين إلى النيابة العامة ومن ثُمَّ إلى القضاء، لكننا لم نجدها تحركت في هذا الاتجاه أيضاً، ولو فعلت لكفت النواب شر القتال. إذاً، لم يبقَ لتقديم المفسدين للعدالة سوى الإخوة النواب، ومع ذلك، ورغم تقديم الديوان ثمانية تقارير للمجلس النيابي إلا أنها مرَّت كلها بسلام، وبهذا الصمت على الفساد يشعر المُفسد أن لا قيمة للتقرير، وعليه يظل مستمراً في فساده، لأن لا حسيب يحاسبه ولا رقيب، ومن أمن العقوبة لمدة ثمانية أعوام من البديهي أن يسوء أدبه!!. لا أعرف تحديداً، لماذا وبعد ثمانية تقارير فاضحة يقدمها ديوان الرقابة المالية والإدارية، لم يتقدم الإخوة النواب بثورة عارمة لمحاسبة المفسدين؟ بل لماذا التعامل بمنتهى البرود مع الملف من الناحية العملية، بالرغم من تصريحاتهم النارية للصحافيين بأنهم لن يسكتوا عن كل مفسد يرد ذكره في التقرير؟ إن اللعب على المتناقضات لن ينفع النواب، لأنهم بهذا التهرب الصريح في مواجهة المفسدين الكبار عبر قبة البرلمان، يثيرون كثيراً من التساؤلات. ليس هذا فحسب، بل الغريب في الأمر، أن التقارير الثمانية التي قدَّمها الديوان للحكومة وللنواب، لم تصرِّح بشكل واضح إلى المفسدين ولم تُسَمَّهم، إذ لا يعقل أن نؤكد بوجود فساد من دون مفسدين، وهو تماماً كالشخص الذي يريد أن يُثبت بوجود نار من دون موقد لها!!. حين نؤكد بعدم عقلانية وجود فساد من دون وجود مفسد، فإننا نؤكد من جهة أخرى على أهمية ملاحقة المُفسد والذي يعتبر أهم من ذكر الفساد المجرد.. فالفساد بريء حتى يُعرف المُفسد. إن الناس بدأت تتحدث فيما بينها عن ماهية أسماء المفسدين ومن همْ، ولماذا تختفي الأسماء بعد كل تقرير؟! إذا استمرت الحالة بهذه الصورة الضبابية فسيكون تقرير ديوان الرقابة لا وزن له في نظر المجتمع، كما سيكون لاغياً من ناحية تفعيله، لأنه يُثبت فساداً من دون مُفسد، وبهذا فإن مصداقيته ستتراجع عاماً بعد عام، وسيكون الديوان دجاجة تبيض تقارير للعرض فقط. نحن نقول ذلك حباً في البحرين، وليس طعناً في التقرير ومُعدِّيه، وحديثنا هذا يظهر حرصنا الشديد على تطبيق بنوده كلها، ولعل من أبرزها وأهمها تقديم المفسدين بأسمائهم إلى العدالة.