^  على خلفية إعلان تجمع الوحدة الوطنية عدم مشاركته في جولة الحوار المتوقعة، فإننا نتحدث هنا من ناحية المبدأ، باعتبار أن مبرر التجمع الذي يقف خلفه مئات الآلاف من البحرينيين المخلصين يتلخص في أن الأجواء غير مهيأة للحوار بسبب استمرار أطراف التأزيم في تأجيج الأوضاع واستخدام “الإرهاب” كورقة ضغط. قبل أن نتحدث بشأن القرار، نقدر للتجمع مصارحته جماهيره بإعلان موقفه بشكل واضح، بخلاف الدور “المزدوج” الذي يقوم به قادة التأزيم على الأرض، حينما يحشدون مريديهم ويغلسون أدمغتهم ويحثونهم على الاستمرار في الإرهاب والتخريب ومناهضة الدولة فيندفع أتباعهم لتنفيذ فتوى “اسحقوهم”، في حين يقومون في جانب آخر ومن تحت الطاولات بفتح قنوات تواصل مع الدولة لأجل الحوار وبهدف تحقيق مكاسب كانوا سيحققونها لو دخلوا في الحوارات السابقة، لكنهم فوتوا الفرصة. هي وجهة نظر نطرحها لقادة تجمع الوحدة الوطنية بشأن قرار عدم المشاركة في الحوار، إذ برغم تقديرنا للموقف إلا أننا نخشى أنه سيكون مكلفاً جداً، خاصة إن سلمنا بوجود أطراف معنية بالقرار الرسمي تريد بدء الحوار وتراه الطريقة الأمثل لإنهاء التوتر في البلاد. على افتراض بأن التجمع لم يشارك في الحوار، يعني ذلك أن مئات الآلاف ممن يمثلهم التجمع لن يسمع لهم صوت على طاولة الحوار، بالتالي أخطر نتيجة قد تكون هي نتائج تأتي على حساب الشريحة المخلصة، وهو ما يريد أطراف التأزيم له أن يحصل. تذكروا ما سبق الحوار الشامل الذي دعا له جلالة الملك، ألم يرفعوا رسالة للديوان الملكي يطلبون فيها اقتصار الحوار عليهم والدولة؟! ألم يتحركوا لإلغاء صوت الآخرين؟! فعلوا ذلك، وحينما لم يستجب لطلبهم باعتبار أنهم مكون صغير من مكونات المجتمع العديدة، شاركوا في الحوار بهدف إفشاله، خاصة وأنهم لا يتحملون سماع الأصوات الأخرى التي تختلف معهم في توجهاتهم، لا يعجبهم المشهد الذي يتضح فيه أن المكونات الأخرى حينما تتجمع هم يمثلون نسبة ضئيلة جداً مقارنة بها، ما يعني افتضاح زيف ادعاء “الأغلبية” الذي زرعوه زرعاً في أذهان الخارج عبر تكرار الجملة كل ساعة وكل يوم. هم يسعون لبدء هذا الحوار لأنهم ينظرون له بمثابة المرحلة التي يمكن القول بشأنها إنها “ستجب” ما قبلها، ما يعني فتح صفحة جديدة، والتي هي في مفهومهم تقتضي تعطيل القانون، أي الإفراج عن المتهمين في مؤامرة الانقلاب على النظام، وتعطيل الأحكام القضائية على من قتل وأرهب وخرج وكسر وعلى من شل حركة البلاد واحتل أكبر مستشفياته وسيّس التعليم وشوه صورة بلده في الخارج. ندرك تماماً منطقية رفض الجلوس مع من ضرب بلده في ظهرها ومازال يغرف من دمائها، ندرك صعوبة مساواة من حارب بلده بمن حماها؟! بل استحالة مساواة من شوه صورتها في الخارج مع من أخذ يوضح الحقيقة دفاعاً عن بلده؟! نعم تسجيل الموقف مطلوب، وإرسال رسالة واضحة للنظام شيء مهم، لكن ترك الساحة فاضية والمقعد شاغراً يمكن أن يكون كارثة بحد ذاتها في جانب آخر. إن كان من حوار قادم، فلماذا لا يدخله التجمع؟! نتساءل لأن التجمع يمثل المخلصين، والمخلصون شاركوا في كل مبادرة من أجل هذا البلد، ودخلوا وشكلوا وزناً وثقلاً ورفعوا صوتهم بمطالباتهم. وعليه تكمن المسألة في كيفية دخول الحوار الجديد، إذ مثلما دعاة التأزيم يرسلون رسائلهم بشأنه بطرق مختلفة، ويحاولون من خلالها تحديد ملامح الحوار ومستوى تعاطيهم معه بطريقة لا تكلفهم الكثير من التنازلات، فإن على التجمع والفئات المخلصة لهذه الأرض أن ترسل رسائلها واضحة ومباشرة وتؤكد ثباتها عليها. المخلصون شاركوا في الحوار الأول، طالبوا بتثبيت دعائم الأمن، واليوم يجب أن يؤكدوا عليها بقوة، إذ “خلخلة الأمن” مازالت مستمرة، وحينما نقول إن الأجواء غير مهيأة للحوار فإننا نعني موقف المؤزمين، إذ حينما تطالب بالحوار عليك أولاً أن توقف الغوغائية في الشارع، والتي تدعمها وتباركها وتدعو لها في كل محفل وتجمع. المخلصون طالبوا بتطبيق القانون، واليوم في الحوار يجب الإصرار على ذلك مع رفض التهاون. طالبوا بمطالب مشروعة واليوم عليهم التأكيد عليها. هو حوار يفترض أن ننظر له على أنه تثبيت لموقف المخلصين ولا يتضمن تنازلاً عن أي من الثوابت نزولاً عند رغبة المؤزمين الذين لا يؤمنون بأي تنازل مهما كان. لكن ترك الفرصة اليوم أمام من حاول إقصاءكم مراراً وتكراراً هو تحقيق لهدف دعاة التأزيم، وذلك للاستفراد بالدولة وتحويل الحوار إلى جلسات تفاوض لن يكون التركيز فيها إلا على دفع الدولة لتقديم تنازلات، لكن يكون الهدف منه سوى اعتبار هذا الحوار نقطة لفتح صفحة جديدة، تمثل لهم هذه الصفحة إلغاء كل ما حصل في السابق وإن كان ضمن تصنيف الخيانة العظمى. هذا هو الهدف، أن يصلوا لمرحلة وكأن ما حصل قبلها شيء يجب أن يمحى من الذاكرة، وأعني ما قاموا هم به، لكن ما صدر من النظام يجب أن يثبت ويظل والأخطاء الفردية يجب أن تصل حتى إلى لاهاي. عموماً، نرى أن ترك المساحة لهؤلاء المؤزمين خطأ بحق الأصوات المخلصة التي لا تقبل التنازل عن كونها “الرقم الأصعب” و«المكون الأكبر” في المجتمع، والتي بتواجدها في الحوار تبين للعالم والمتابع والمراقب بأن الدولة ليس فيها فقط نظام ومناهضون للنظام، بل مكونات أخرى لها من الحقوق الكثير، وأن حقها في العيش بأمن وسلام انتهك بشكل صارخ. تخيلوا لو تركتم طاولة الحوار لهم، وخرج الحوار بعدها بنتائج وأمور لصالحهم على حساب الآخرين، وتخيلوا لو اضطرت الدولة لتلبيتها لأنها نتائج حوار وطني على غرار نتائج الحوار السابق، وهو شيء سيحدث لأن الأطراف الأخرى سلمت بالأمر وتركت الساحة وكأنها قبلت بأن يتحدث هؤلاء بلسان عموم الشعب، عندها ماذا سيحصل؟! هل سندعو لتجمع رابع خامس أو سادس لإعلان الرفض لما جاء في الحوار؟! هل ستكون الصورة حينها مقلوبة، وتتحولون للطرف الذي يسعى لعرقلة عملية إعادة البحرين إلى وضعها الطبيعي أمام مرأى ومسمع من العالم؟! والله ندرك حجم الألم، لكننا ندرك أيضاً بأن “الحق لا يضيع إن كان وراءه مطالب”، بالتالي لو دعوا للمشاركة في أي حوار، ولو دخل المؤزمون فيه، فإننا نحتاج لدخول المخلصين أيضاً، إذ لا يكفي الوقوف في العراء والصراخ بـ«أننا هنا”، نحتاج أن نكون هناك لمنع أي استفراد، لتعطيل أي صفقة تأتي على حساب المخلصين، لتأكيد حقنا أيضاً في التحاور مع الدولة وإيصال مطالبنا لها. لا تتخلوا عن الناس بموجب قرار قد تكون له مبرراته لكن تأثيره قد يدفع الكثيرين لعض أصابع الندم. هم يريدون الاستفراد بالدولة منذ البداية، فلا تمنحوهم هذه الفرصة. هم من خان الوطن وأنتم من حماه، بالتالي صوت المخلصين للبلد هو ما يجب أن يسود لأجل البلد.