^ تناقلت وكالات الأنباء خبر تسلم الناشطة السعودية سمر بدوي الأسبوع الماضي جائزة «النساء الأكثر شجاعة على مستوى العالم» الأمريكية، تقديراً لشجاعتها في الدعوة لحقوق المرأة، بعدما شغلت قضيتها الرأي العام بتمردها على قانون «ولي الأمر» المعمول به في المملكة العربية السعودية وتعرضها للحبس بتهمة «العقوق». بعيداً عن أي مقياس لا شك أن فوز امرأة عربية سعودية بهذه الجائزة ينبغي أن تكون مفخرة لنا نحن العرب، وفي المقدمة منا السعودية. لكن ما لفت نظر قارئ الخبر إجابات بعض من سألتهم (رجالاً ونساءً) محطة «سي إن إن» حول أوضاع المرأة هناك، فكانت إجابة رضوى يوسف التي تدير حملة «ولي أمري أدرى بمصلحتي» أن «النساء السعوديات يحظين بالدلال من أولياء أمورهن، وأن (ولي الأمر) يعزز مفهوم الأسرة كأساس للمجتمع، مضيفة أن العلاقة بين الرجل والمرأة داخل الأسرة هي علاقة تكاملية، وليست علاقة متساوية، الرجل يرعى المرأة ويشرف على شؤونها داخل وخارج البيت». أما رجل الدين السعودي عدنان باحارث فوجد أن قيادة المرأة «ستضيف إلى أعباء المرأة، فهذا يعني أن عليها الذهاب للتسوق وحدها، وقيادة الأبناء من وإلى المدرسة.. ما نسعى إليه هو تخفيف هذه الأعباء عن كاهل النساء». لست هنا بصدد مناقشة موقف السلطات العربية من المرأة، فجميعها دون استثناء، وبغض النظر عن بعض التفاوتات غير الجوهرية أو تلك الرتوش التجميلية، ما تزال تمارس سياسة غير عادلة من قضايا المرأة وحقوقها، ولن أنصب نفسي مدافعاً عما يجري في السعودية، فتحت تصرف يد هذه الأخيرة ما يمنعها من انتظار أي شكل من أشكال المؤازرة من شخص مثلي. لكن ما يستحق المناقشة ويتطلب تسليط الضوء عليه هو ما جاء في إجابات رضوى يوسف وعدنان باحارث، والتي تعكس في ثناياها موقف المجتمع العربي بأفراده من ذكور وإناث ومؤسساته غير الرسمية من قضايا المرأة وحقوقها، التي ما تزال تنتهك يومياً وتحت نظر الجميع منا. نحن اليوم أكثر من أية فترة أخرى في تاريخ البلاد العربية في أمس الحاجة إلى معالجة موقف وسلوك الرجل العربي من المرأة، وموقف هذه الأخيرة من نفسها. فحتى يومنا هذا ما يزال الرجل العربي يرضي غروره الذكوري بممارسة أبشع أنواع التمييز والتسلط على المرأة، ولكي نكون منصفين لا يستأثر المحافظون من الرجال، كما يحلو للبعض أن يروج، بهذا السلوك الأناني، بل تشاركهم فيه نسبة عالية من أولئك الذي يحلو لهم ادعاء «التقدمية» و»الليبرالية»، والذين يعانون من ازدواج في السلوك بين ما يدعونه لفظاً ويناقضونه ممارسة. فليس هناك من شريعة سماوية أو قانون أرضي يرغمان الرجل على الزواج بأكثر من امرأة، لكننا اليوم شاهدنا شيوع حالات «رجولية» تنعم دون خشية أو خجل بما تبيحه للذكور، لا أقول الرجال، هوامش «المسيار»، أو ما تتنعم عليه به اجتهادات «المتعة»، هذا إذا تجاوزنا الزواج بأكثر من واحدة وادعاء العدل بينهم. هنا إن كانت جريمة الرجل التقدم بالطلب فذنب المرأة موافقته على ذلك. كذلك الأمر للوالدين، أم وأب، الذين لا يكفون عن التمييز في المعاملة بين الأبناء بناء على كونهم بنيناً أم بناتاً، فالأب إرضاءً لذكوريته الغارقة في أوحال أنانيتها التي تدافع عن مصالحه هو وليس مصالح أبنائه، وحرصا منه على الاحتفاظ بموقعه المتميز بين أفراد الأسرة وفي صفوف المجتمع، يصر على أن يبر الذكور ويبخس الإناث حقهم. ولا تختلف الأم في مسايرته في ذلك، خضوعاً طوعياً منها لقيم بالية وخشية تلقائية من استفزاز قوى اجتماعية تحارب كل ما يمكن أن يقود إلى المساواة في تربية الأبناء ذكوراً وإناثاً على حد سواء. لا يوجد من دافع يجبر الرجل على تنشئة أطفاله تنشئة تمييزية جندرية. فكل هذه الأمور كرسها الرجل وأصر على سلوك طرقها الملتوية لسبب في غاية البساطة، وهو أنها تحافظ على التفاوت الاجتماعي القائم على «الجندر»، ومن ثم تكرس فوقية الأب قبل الابن. الأمر المؤسف له هو مشاركة المرأة لزوجها هذا السلوك، ليست بالقبول به فحسب لكن بممارسته على أرض الواقع عند التعامل مع الأبناء، وهي بذلك لا تمقت البنت حقها بل تكرس دونيتها هي الاجتماعية، شاءت ذلك أم أبته وأدركته أم لم تعه. هناك قائمة طويلة من الممارسات الشائعة غير العادلة التي تكرس اضطهاد المرأة في كل مرافق الحياة، وإن كان المنزل أول عتبات سلم الاضطهاد الذي نتحدث عنه، فتليها تلك التي يخطوها المجتمع الظالم للمرأة في الفصول المدرسية وعلى مقاعدها الدراسية، وتستتبع تلك الخطوة بأخرى أسوأ منها عند الانضمام لجيش الباحثين عن وظيفة، وفي مرحلة لاحقة بعد الفوز بها، وتكتمل الحلقة بعد الزواج وتكوين الأسرة، حيث تعيد الدورة نفسها من جديد، التي لا ينقذ المرأة منها إلا الموت. فالموت وحده هو الذي ينقذها من رحلة الشقاء والاضطهاد اللامتناهية التي وصفناها. في كلمات محددة كلنا نشارك في ارتكاب هذه الخطيئة الاجتماعية التي تقترب من الجريمة غير الإنسانية تجاه المرأة، ومن يتوهم براءته ويتهم الآخرين فعليه أن يراجع سلوكه كي يكتشف أنه رمى الآخرين بحجر، بعد أن نسي نفسه، ولعله استحق ذلك أكثر من الآخرين غيره، فهل بيننا بعد كل ذلك من هو بريء من خطيئة اضطهاد المرأة؟