^   لا يمكن أن نرفض الحريات والديمقراطية إلا إذا اعتبرنا وسلمنا أن الوفاق هي الديمقراطية، من حق كل إنسان أن يحيا في وطن يقدر حقوقه ويمنحه حياة كريمة وعدالة وأمن، ومن حقنا من منطلق إنساني ومنطقي أن نرفض الوفاق وسطوها على فكرة الديمقراطية ومحاولاتها لرسم ملامح مستقبل بلدنا بريشتها المعوجة، اعتراضنا ليس على الفكرة؛ إنما أن تطالب بها الوفاق هذا بحد ذاته غير مقبول.. لماذا؟ لأنها ناقضت نفسها على طول الدرب وفقدت مصداقيتها على الأقل لدى نصف الشعب. عندي مقال جريء وصريح في الصميم لإحدى الصحفيات المحسوبات على تيار الوفاق الذي يقدم نفسه اليوم كتيار الديمقراطية والمدنية والعدالة، والذي يصنفنا كرجعيين، دعونا نرى من هو الرجعي ونحكم. تنتقد الكاتبة أحد معممي الوفاق، الشيخ حيدر الستري، الذي قال في زلة لسان تاريخية شهيرة نعرفها ونذكرها كلنا: «إن من يتوق للنظر إلى سيدنا علي -عليه السلام- فلينظر لوجه سماحة الشيخ عيسى قاسم»، وطبعا الستري هو قائل العبارة الخالدة: «إن قاسم هو عليّ هذا العصر»، كما أضاف ليزيد الطين بلة: «إن أي استسهال وتقليل من شأن المرجعية الدينية لا يختلف عن التقليل من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة الأطهار، وإن توهين القيادات العلمائية هو توهين لرسول الله وتقليل من شأن الأئمة المعصومين». في مقالها بصحيفة الوقت عدد 24 أغسطس 2009 اعتبرت لميس ضيف ما قاله الستري وهو بكامل وعيه وقواه العقلية «شطحة»، عندما قال علي سلمان إنه خادم للمرجعية وسيف في غمدها ربما اعتبرت كلماته شطحة أخرى، وعندما تكرر المشهد في الدوار ووقف المعممون يحدثون الجماهير عن الدولة المهدوية ربما اعتبرت شطحات جديدة، الشطحات تكررت إلى حد لم نعد نحصيها وكل مرة يبررونها ويرقعونها لكن التصريحات واضحة ولا تحتمل التأويل، على هذا العصر وسيف في غمد قاسم وراية الإمام المهدي التي رفعت في الدوار وجمهور الثوار الذي سماه أحد خطباء الدوار بأبناء علي وفاطمة متذكراً الطفّ وكربلاء وهو في قلب المنامة يحتج مطالباً بإصلاح سياسي كما يفترض. تعالوا نقرأ وثيقة المنامة؛ الكلام المنمق المختار بعناية ليوجه للخارج، وعود لأمريكا وللمجتمع الدولي، وانظروا للحقائق أمامكم؛ أجد أن أهم نقاط اختلافنا مع الوفاق هي ما تكلمت عنه الكاتبة في 2009 واليوم تتجاهله في مقابلاتها وتصريحاتها مدعية أن فريقها هو فريق الديمقراطية والحريات، هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم خدام قاسم ويعتبرونه علي هذا الزمان ويحرمون الخروج عليه لأنه كالخروج على الرسول والأئمة هم من يقود الحراك «الديمقراطي»، ماذا تتوقعون أن تكون ردة فعل الشعب على هذا الكم من التناقض؟ هل يستقبلونكم بالورود كما استقبل الإيرانيون الخميني؟ واسمحوا لي أن أقتبس من المقال ذاته وكلمات لميس ضيف: «.. فبما أن الشيخ قاسم هو الإمام علي (ع) بنسخته البحرينية العصرية والتقليل من شأنه هو تقليل من شأن الرسول والأئمة الأطهار؛ فلا شك أنه لا ينطق عن الهوى.. وليس لأحد أن يساءل اختياراته السياسية.. بل ولا يحق لأحد أن ينتقد من اصطفاهم لتمثيل الشعب والمرجعية في المجلس..!! ووحدهم السفهاء المتجرئون على الشرع المقدس من سيشككون في جدوى إعادة انتخابهم، وإن أثبتوا ضعفاً في الأداء داخل وخارج أسوار البرلمان.. ففي نهاية المطاف الناخب مسلم موالٍ؛ وعليه لا يحق له أن يفكر في مكاسبه ومطامحه كمواطن.. فإن قضى الله ورسوله أمراً فليس للمسلم خيرة فيما يختار». بمعنى لو صارت اليوم حكومتنا منتخبة ومجلسنا النيابي من غرفة واحدة ونالت الوفاق كل ما تريد بالكيفية التي تريد وبصفقة تمكنها من البلد ففي النهاية سنكون أمام حكومة يعينها العلماء والمجلس العلمائي، وعلى رأسهم «علي هذا العصر» آية الله قاسم، وبرلمان مكتمل الصلاحيات وكل هذه الصلاحيات في يد آية الله قاسم، لا يستطيع نصف أعضائه أو أكثر أن يعصوا لقاسم أمراً، معناه لا رحنا ولا جينا، خياركم في سوق الديمقراطية يا شعب البحرين مرسوم علمائي -الظاهر الربيع العربي أجهز على المخزون وعلينا أن نرضى بالموجود ولو كان رديئاً- إلى هذا الحد يستهان بعقلنا وكرامتنا ومستقبلنا، لا أدري كيف أصف الوضع؛ لكن بين حقيقة الوفاق ووثيقتها التي سمتها باسم عاصمتنا المنامة هوة شاسعة، تعطيك فكرة عن تناقض الكلام والممارسة في عقلية الوفاق ومرجعيتها. هذا الانتقاد وجهه قلم من أقلامهم من عامين فقط لا أعتقد خلالهما تغير فكر الوفاق أو ثوابتها، لكن عندما نوجهه نحن اليوم نوصف بالطائفية والموالاة للحكومة، عندما يعبر رجل الشارع العادي عن هواجسه من تصدير الثورة الإيرانية إلى وطنه وحكم ديني دكتاتوري يصفونه بالرجعي المتنفع من الوضع، يريدون أن يقمعوا قدرتنا على التفكير والتحليل والانتقاد اليوم قبل الغد، وهو ما فعلته الجارة المسلمة مع شعب الأحواز وفي قلب طهران حيث يعدم المعارضون في الهواء الطلق. من حقنا كمواطنين وبشر لهم مثل ما لغيرهم من حرية تعبير وإبداء الرأي والتمسك بالقناعات، بشر لهم آذان يسمعون بها وعيون يرون بها الواقع وعقول تزن فكرة الديمقراطية مقابل خدمة المذهب والطاعة العمياء للمرجعية، لنا مطلق الحق في رفض مشروع لا نرى ممارساته على الارض تعبر عن فكر ديمقراطي أو تحترم الحريات