كتب – محرر الشؤون المحلية:

كشفت وثائق رسمية عن قيام مسؤول متنفذ في وزارة البلديات والتخطيط العمراني (شؤون الزراعة) بالإفراج عن شحنة أبقار قادمة من جيبوتي وإدخالها للبحرين رغم إصابتها بأمراض الحمى القلاعية والسل، والاشتباه بحملها لما يعرف بوباء «الوادي المتصدع».

وتظهر الوثائق -التي حصلت الوطن على نسخة منها- أن الشحنة تضم 309 رؤوس استوردتها شركة محلية، والتي قامت بدورها، بعد إخراج الشحنة من المحجر البيطري بتواطؤ من المسؤول، ببيع 220 رأساً لشركة البحرين للمواشي، و89 رأساً حياً للأهالي بشكل مباشر.

والمسؤول المتنفذ، الذي أكدت مصادر مطلعة في الوزارة أن علاقة وثيقة تربطه بصاحب الشركة المستوردة، هو نفسه بطل قضية الفساد في حظائر الأغنام بالهملة التي نشرت تفاصيلها «الوطن» في السابع من الشهر الجاري.

وتشير الوثائق أن شحنة الأبقار المصابة وصلت إلى المملكة في 17 ابريل الماضي وتم الإفراج عنها في 7 مايو، رغم أن المختبرات البحرينية أكدت وجود حيوانات مصابة بمرض السل وأخرى بالحمى القلاعية.

الأدهى والأمر، أن الوزارة أرادت التأكد من نتيجة الفحوصات، ما حدا بها إلى إرسال نحو 29 عينة إلى دبي، لتظهر النتائج أنها تحمل أمراض الحمى القلاعية والسل، واشتباه بمرض الوادي المتصدع. وجميعها أمراض خطيرة وفتاكة، بحسب متخصصين، وقد تنتقل إلى الإنسان سواء عند استهلاك اللحوم أو الألبان المنتجة من الحيوانات المصابة، أو عند الاحتكاك والتعامل مع هذه الحيوانات، وبعض هذه الأمراض يؤدي إلى الوفاة.

وتفيد المصادر بأن المسؤول المقصود قام بالإفراج عن الأبقار – حيث أمر المسؤولون عن المحجر البيطري بإخراج الشحنة – قبل وصول نتائج الفحص من دبي، لكنه غطى نفسه بالمدة القانونية المعتمدة في المملكة لحجز الحيوانات والبالغة 21 يومياً، ضارباً صحة البشر والخوف من انتقال عدوى الأمراض بالثروة الحيوانية المحلية عرض الحائط.

المصادر ذاتها تؤكد أنه كان لزاماً على المحجر البيطري انتظار نتائج الفحوصات من دبي خصوصاً أن هناك شكوكاً بوجود أوباء وأمراض فتاكة في الحيوانات.

كما تظهر الوثائق أن شركة البحرين للمواشي أكدت أنها – بعد ذبح الأبقار – أعدمت بقرة واحدة بالكامل لانتشار السل في جميع أجزائها، فيما أعدمت جزئياً 6 بقرات كان السل منتشراً في بعض أجزائها، فضلاً عن إتلاف حوالي 26 كبدة مصابة بالتليف والحويصلات الديدانية.

يشار إلى أن مرض السل البقري يمكن له أن ينتشر بجميع أجزاء جسم الحيوان، أو بأجزاء بعينها حيث يمكن استهلاك الأجزاء غير المصابة.

ومن المعلوم أن شركة البحرين للمواشي قادرة على فحص الحيوانات ومعرفة الأمراض المصابة بها بفضل إمكاناتها الكبيرة، لكن ماذا يفعل المربون الصغار الذين اشتروا الأبقار بشكل مباشر ولا يعلمون ماذا تحمل من أمراض؟.

قيام الشركة المستوردة ببيع 89 رأساً حياً إلى الأهالي – المربين - مباشرة، يمثل خطورة كبيرة على صحة الإنسان سواء من خلال استهلاك اللحوم أو الألبان فضلاً عن تضرر العاملين والملامسين لهذه الحيوانات، إضافة إلى نقل العدوى لحيواناتهم غير المصابة.

وتؤكد مذكرة داخلية مرفوعة من وكيل الوزارة لشؤون البلديات والزراعة إلى الوزير بتاريخ 20 مايو الماضي، جميع هذه التفاصيل، حيث تم ذكر بلد المنشأ وعدد الأبقار والأمراض المصابة بها، فضلاً عن التأكيد على الاشتباه بوباء الوادي المتصدع، مع التحذير من أن المرض يسبب الوفاة للإنسان.

وعلى ما يبدو فإن المعلومات الواردة بالمذكرة المرفوعة للوزير تعتمد على مذكرة مرفوعة من مدير الثروة الحيوانية بالوكالة إلى الوكيل المساعد لشؤون الزراعة بتاريخ 16 مايو الماضي، تقول إن الأبقار موجودة في مزرعة الشركة المستوردة – أي أنه تم الإفراج عنها من المحجر البيطري-وتقترح التحفظ على الشحنة وفحصها بالكامل على نفقة المستورد أو ذبحها في المسلخ المركزي وإعدام المصاب منها.

كما تقترح المذكرة إيقاف الاستيراد مؤقتاً من جيبوتي حتى يتم التحقق من طريقة شحن الأبقار المصابة من هناك.

مسلسل الفساد المالي والإداري في وزارة البلديات مستمر، وهذه المرة وصل الضرر إلى صحة الإنسان، والمسؤول المعني والمتورط بكل هذه التجاوزات مازال على رأس عمله ويمارس مهامه الطبيعية والإضافية دونما رادع.

وكانت «الوطن» نشرت مؤخراً بعض تفاصيل الفساد المالي والإداري للمسؤول المتنفذ في مشروع حظائر الأغنام بالهملة، تضمنت توزيع أراضٍ على أشخاص وشركات بطرق مخالفة سواء من حيث تطابق الشروط أو حجم المساحات أو المبالغ المحصلة من التأجير.

كما بينت أن المدير منح الأراضي لمن يشاء متجاوزاً شروط التأجير، وباع المواد والأعلاف والحيوانات دون حسيب أو رقيب بعد أن شكل حوله مجموعة من المساعدين من داخل الوزارة وخارجها للتلاعب بالمال العام والتنفع به وتوزيعه على «الأحباب».

وبعد تصاعد حدة «الفساد» شكل وزير البلديات لجنة تحقيق، ثم قام برفع النتائج لديوان الرقابة المالية، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء إلى الآن.

وسألت «الوطن» وزير البلديات الدكتور جمعة الكعبي، مؤخراً عن أسباب بقاء المسؤول المعني بالقضية على رأس عمله، حيث قال وقتها إن «الوزارة لا تمتلك الحق في اتخاذ القرار حيال أي موظف تدور حوله الشبهات»، (...) سنمضي في تطبيق القانون بعد إعلان نتيجة تحقيق ديوان الرقابة المالية».