يرى مسؤولون وخبراء اقتصاديون أن أزمة الديون السيادية التي تعصف بمنطقة اليورو يمكن أن تشكل فرصة مواتية لدول مجلس التعاون الخليجي فيما يتصل ببحث توقيع اتفاقية للتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي، دون أن يكون هذا الأخير قادرا على فرض شروط قالوا إنها أعاقت عملية المفاوضات التي استمرت أكثر من عشرين سنة قبل أن يعلن الخليجيون تعليقها من جانب واحد صيف 2010، بيد أن بعضهم شدد على ضرورة وضع أجندة مشتركة للدخول في أي مفاوضات مستقبلا.
وقال الأمين العام لاتحاد غرفة دول مجلس التعاون الخليجي عبد الرحيم نقي إن أزمة أوروبا فرصة سانحة لدول الخليج حتى تفرض شروطها على الأوروبيين لتجيء الاتفاقية لمصلحتها "إذا كانت للاتحاد الأوروبي نية في العودة إلى مفاوضات التبادل الحر" على حد قوله.
وأضاف نقي للجزيرة نت أنه إذا أراد الأوروبيون فتح باب المفاوضات من جديد -وإن كان ذلك مستبعدا حسب رأيه بسبب نظرتهم الفوقية- فإنه يجب على الخليجيين أن يجعلوها مفاوضات "ندا لند"، في ظل حاجة القارة العجوز إلى إمكانات دول التعاون في الوقت الراهن وليس العكس.
وتابع المتحدث نفسه أن الأوروبيين أخذوا ما يكفي في الفترة السابقة، وجاءت اللحظة التي تنظر فيها دول الخليج لمصلحتها دون مركب نقص.
قراءة الواقع
ودعا الدول الأوروبية إلى قراءة المعطيات الحالية جيدا، وأن تعي بأن دول الخليج "باتت قوية اقتصاديا ومتماسكة سياسيا واجتماعيا، في حين أن أوروبا منهارة ماليا ومفككة بنيويا".
وفي هذا السياق أشار نقي إلى أن الناتج المحلي الخليجي يفوق 1.2 تريليون دولار حاليا، وقد عرفت التجارة بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي زيادة مطردة وهي الآن بحدود مائة مليار دولار.
ورأى أنه يجب على الأوروبيين أن يبدوا مرونة كبيرة الآن، وأن يقدموا مغريات لدول الخليج بدل الاستمرار في فرض شروط غير اقتصادية أو مخالفة لمقتضيات منظمة التجارة العالمية، حتى يحقق كل طرف مصلحته الكاملة من هذه المفاوضات.
ودعا نقي الأوروبيين أيضا إلى استيعاب الدرس التركي، حيث "رفضوا انضمام تركيا إليهم لأسباب واهية، واليوم حتى إن ركضوا وراءها فلن تعود إليهم، لأنها حققت قفزات كبيرة خلال السنوات العشر الماضية دونما حاجة إليهم".
رؤية الخليجيين
وطالب بالمقابل دول الخليج بإدارة بوصلة اهتمامها نحو العالم العربي ودول شرق وشمال أفريقيا وتعزيز حضورها في آسيا بدل الارتهان إلى أوروبا.
وتساءل الاقتصادي الإماراتي نجيب عبد الله الشامسي عن الجدوى من الاستمرار في البحث عن توقيع اتفاقية للتبادل الحر مع مجموعة اقتصادية لا تنظر سوى إلى مصالحها الذاتية دونما تفكير في مصالح الآخرين.
وقال الشامسي إن الأوروبيين ومعهم الأميركيون لا يرون في دول الخليج سوى سوق ذات نزعة استهلاكية كبيرة لتصريف منتجاتهم، ومنطقة إستراتيجية للتزود بالنفط والغاز، ومصدر للأموال والاستثمارات لتعزيز قدرتهم على مواجهة الأزمات.
وضع أوروبا
ورأى الاقتصادي الإماراتي أن ما تعيشه أوروبا من وضع متأزم نتيجة تداعيات أزمة الديون يمكن أن يشكل فرصة مواتية لدول الخليج لإنجاح مفاوضاتها.
غير أنه حذر من أن تلك الأزمة ستكون لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد الخليجي من جهة تناقص قيمة الاستثمارات الخارجية التي تآكلت بـ50% نتيجة أزمة الرهن العقاري الأميركي.
وأضاف الشامسي أنه لا بد لدول الخليج أن تحسم أمرها فيما إذا كانت هذه المفاوضات ستعود عليها بالنفع، وتحصل منها على كامل مصالحها قبل اتخاذ أي قرار بالعودة إليها.
واعتبر أن الكرة في ملعب الخليجيين الذين عليهم تعظيم المزايا التي يرغبون في كسبها من وراء أوروبا في ظل حاجة الأخيرة إليهم الآن، بيد أنه شدد على ضرورة توفر دول الخليج على رؤية موحدة لتقوية مركزها التفاوضي وقطع الطريق على الأوروبيين للانفراد بكل دولة على حدة.