فيما تراجعت صادرات النفط الإيراني بنسبة 40 في المائة في الأشهر الستة الأخيرة إلى 1.5 مليون برميل في اليوم ووفقا للوكالة الدولية للطاقة، فإن العقوبات الأوروبية على النفط الإيراني التي تسري الأحد المقبل وتزايد الضغوط الأمريكية على الدول التي لا تزال تشتري النفط الإيراني لوقف مشترياتها أو تخفيضها بصورة ملموسة ستجعل طهران في موقف لا تحسد عليه، سواء في مواجهة الأسوأ اقتصاديا أو التبعات السياسية داخليا وخارجيا نتيجة تزايد الضغوط عليها بسبب برنامجها النووي.
ففي ظل سيناريوهات تشمل العقوبات الأوروبية على النفط الإيراني، وتوجه أوبك إلى خفض بعض إنتاجها الاحتياطي، وتدخل البنوك المركزية في الدول المتقدمة لحماية النمو، يتوقع خبراء دوليون أن تستعيد أسعار النفط عافيتها من جديد بعد تسجيلها لأسوأ أداء فصلي منذ عام 2008.
ويتوقع المختصون أن يستعيد خام برنت، الذي سجل ثاني أسوأ أداء فصلي له بين (أبريل) و (يونيو) على مؤشر السلع جيسي لستارندار آند بورز، إلى متوسط يبلغ 114.5 دولار للبرميل في الربع الثالث وفقا لمتوسطات تقدير قدمها 32 محللا لدى بلومبيرغ وبي إن بي باريبا ودويتشه بنك وباركليز. وانخفضت أسعار برنت إلى مستوى بلغ 88.49 دولار الأسبوع الماضي.
ويقول محللون إن التوقعات بمعاودة أسعار النفط للارتفاع تستند على أن الأسعار تجاوزت كثيرا الأساسيات الاقتصادية في ظل تشاؤم واسع النطاق وسط المستثمرين نتيجة توقعات بتوجه الولايات المتحدة نحو الركود الاقتصادي.
ويرى هؤلاء أن توقعات معاودة الأسعار للارتفاع نتيجة العقوبات على إيران تظهر استعداد الولايات المتحدة وأوروبا وحلفائهما للتعامل مع أسعار أعلى للوقود للحد من البرنامج النووي الإيراني. ويتوقف الاتحاد الأوروبي وهو ثاني أكبر مشترٍ بعد الصين عن استيراد النفط الإيراني في الأول من يوليو (الأحد). ويقول مراقبون إن هذا الحظر قد ينعكس سلبا على الأداء الاقتصادي العالمي في ظل تفاقم أزمة الديون السيادية الأوروبية.
وخسر برنت 24 في المائة خلال الربع الماضي حتى 26 يونيو إلى 93.02 دولار، وهو أكثر انخفاض له منذ تراجعه بنسبة 54 في المائة في الأشهر الثلاث الأخيرة من عام 2008.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع استمرار الطلب العالمي على النفط بمعدل مليوني برميل يوميا أو بنسبة 2.3 في المائة في الربع الثالث إلى 90.5 مليون برميل بالمتوسط يوميا، فيما سيتعزز الاستهلاك بفضل الحوافز النقدية في الأسواق الصاعدة كالصين وفقا لتقرير بنك بي إن بي باريبا، مع الإشارة إلى أن الإنتاج الإيراني قد ينخفض بسهولة بسبب العقوبات، مما يجبر العالم على العيش في ظل طاقة إضافية أقل.
وقال مصرف جولدمان ساكس في تقرير إنه سيتم تداول خام برنت عند نحو 120 دولارا للبرميل، لكن بنك جي بي مورجان تشيس كان من بين المصارف التي بقيت حذرة تجاه معاودة ارتفاع الأسعار، متوقعا أن يتم تداول العقود الآجلة بمتوسط 95 دولارا للبرميل في الربع الثالث، منخفضا عن توقع سابق له بسعر 120 دولارا بسبب "أجواء عاصفة متوقعة" للاقتصاد العالمي.
وإضافة للحظر الأوروبي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مالية على البنوك التي تتعامل مع المبيعات النفطية الإيرانية رغم أن دولا عدة ومنها الهند وكوريا الجنوبية حصلت على إعفاءات من العقوبات بعدما أثبتت أنها خفضت بصورة ملموسة وارداتها النفطية من إيران.
ووفقا لوكالة الطاقة فإن تطبيق العقوبات بالكامل سيخفض صادرات إيران بمقدار مليون برميل يوميا في النصف الثاني مقارنة بمستويات العام الماضي. وصدرت إيران 1.5 مليون برميل من النفط خلال (مايو).
وذكر تقرير لجولدمان ساكس أن السوق النفطية ستنتقل إلى عجز موسمي معدل مع سريان الحظر في الأول من يوليو، فالصادرات النفطية من الشرق الأوسط بما فيها عمان واليمن غير الأعضاء في أوبك ستنخفض بنسبة 0.5 في المائة إلى 17.58 برميل يوميا خلال أربعة أسابيع حتى 7 (يوليو) مقارنة بالأسابيع الأربعة السابقة يقودها تخفيض في إنتاج النفط في السعودية.
وفي المقابل تنفي طهران تراجع إنتاجها النفطي، وتؤكد أن إنتاجها ازداد إلى 3.8 مليون برميل يوميا تقريبا، وأن الصادرات مستقرة عند قرابة 2.1 مليون برميل يوميا.
وفي يناير الماضي قرر الاتحاد الأوروبي الذي يستورد 20 في المائة من صادرات النفط الإيراني، أي ما يقارب (600 ألف برميل في اليوم)، فرض حظر شامل اعتبارا من الأول من يوليو المقبل بدأت غالبية الدول الأعضاء فيه بتطبيقه.
وأوقفت المجموعات النفطية الكبرى مثل "شل" و"توتال" شراء النفط من إيران، كما أوقفت إسبانيا واليابان الاستيراد في أبريل، على أن تحذو إيطاليا، التي تعتبر المستورد الأوروبي الأول للنفط الخام الإيراني 180 ألف برميل في اليوم، حذوها في الأشهر المقبلة. من جهتها، أعلنت تركيا، خامس أكبر مستورد في العالم للنفط الإيراني، أنها ستخفض وارداتها هذه بنسبة 20 في المائة، وكانت قد رفضت حتى الآن تطبيق عقوبات الدول الغربية. أما في آسيا التي تستورد 70 في المائة من النفط الإيراني، فالوضع متفاوت. فقد أعلنت الهند، المستورد الثاني عالميا للنفط الإيراني، خفضا بنسبة 11 في المائة لوارداتها في عام 2012، بينما خفضت كوريا الجنوبية المستوردة الثالثة 40 في المائة من وارداتها منذ مطلع العام. أما اليابان، التي تحتل المرتبة الرابعة فقد خفضت وارداتها في أبريل بنسبة 65 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
وحدها الصين، الشريك الاقتصادي الرئيس لإيران والمستورد الأول في العالم لنفطها، زادت من وارداتها بعدما شهدت تراجعا في مطلع العام. ومما يزيد الوضع سلبية بالنسبة إلى إيران هو تراجع أسعار النفط الخام في يونيو إلى ما دون الـ90 دولارا للبرميل، بينما كانت الجمهورية الإسلامية تتوقع ارتفاعه إلى ما فوق الـ150 دولارا بسبب الحظر الأوروبي.
وإزاء هذه الأوضاع تتفاقم من جهة أخرى التهديدات الأمنية في المنطقة بسبب الحظر والعقوبات التي تتعرض لها إيران التي هددت في أكثر من مناسبة بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي كرد فعل على ما تتعرض له من ضغوط. وأرسلت الولايات المتحدة تحسبا أربع كاسحات ألغام إلى منطقة الخليج لتعزيز الأسطول الخامس الأميركي المتمركز في المنطقة، بعد أن لمح قائد في الجيش الإيراني إلى أن إيران قد تغلق مضيق هرمز للدفاع عن مصالحها.
وفقا للإدارة الأمريكية لمعلومات الطاقة فإن أكثر من ثلث تجارة النفط المنقولة بحرا مرت العام الماضي عبر مضيق هرمز وإن حتى إغلاقه لفترة قصيرة يمكن أن يرفع الأسعار بشكل يهدد النمو الاقتصادي العالمي.
وهددت إيران الأسبوع الماضي على لسان أحمد رضا بوردستان قائد القوات البرية الإيرانية باستخدام نفوذها على مضيق هرمز للدفاع عن مصالحها، كما ذكرت مصادر إيرانية أن طهران قد تلجأ إلى إيجاد عراقيل في قضية نقل النفط إذا ما حاولت الدول الأوروبية وأمريكا تنفيذ العقوبات النفطية على إيران، التي يبدأ سريانها في الأول من تموز يوليو. وأكدت المصادر الإيرانية أن تنفيذ العقوبات سيؤدي إلى مشاكل كثيرة للاقتصاد الإيراني، مما سيجبر الإيرانيين على إيجاد معوقات في طريق السفن الناقلة للنفط عبر مضيق هرمز. ووافقت حكومات الاتحاد الأوروبي رسميا خلال الأسبوع الماضي على بدء حظر استيراد النفط الإيراني من أول تموز (يوليو)، وأكد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماع في لوكسمبورج أن الحظر سيمضي وفق الخطة، إلا أنهم تعهدوا بمراجعة تطبيقه في المستقبل لضمان قدرة الحكومات الأوروبية على الحصول على ما يكفيها من النفط.