يبدأ اليوم الأحد سريان مفعول قرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بحظر تصدير إيران للنفط حيز التنفيذ الكامل، لوقف تدفق الأموال إلى برنامجها النووي المثير للجدل، فيما بدأت أمريكا قبل يومين فرض تدابير عقابية على الدول التي تقبل على عقد صفقات نفطية مع البنك المركزي الإيراني.
وستؤدي العقوبات بحسب تقرير نشرته صحيفة الاقتصادية السعودية إلى عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة لتأثيرها المتوقع في الاقتصاد الإيراني وبشكل أعمق على حياة الإيرانيين يوماً بعد يوم، وأدت العقوبات السابقة على إيران إلى زيادات غير مسبوقة في أسعار المواد الغذائية الأساسية، في حين أن العملة فقدت نصف قيمتها منذ عام 2010.
ويدر النفط دخلاً سنوياً لإيران يبلغ 95 مليار دولار، ما يمثل زيادة كبيرة في تضييق الخناق على إيران لردعها عن مواصلة برنامجها النووي الذي وصل إلى مستويات تقترب من المستويات اللازمة لصُنع قنابل نووية.
من جانبهم توقع محللون مختصون في القطاع النفطي تحدثوا لصحيفة الشرق الأوسط أن تحافظ السعودية أكبر بلد منتج للنفط خلال فترة الصيف على معدل إنتاج يلامس 10.4 مليون برميل يوميا مع الحفاظ على المستويات السعرية لبرميل النفط في محيط 100 دولار.
وأشار الدكتور راشد أبا نمي الخبير النفطي السعودي إلى أن تأثير الأسعار ببدء سريان العقوبات سيكون محدودا، وقال: "سيكون هناك تأثير نفسي، لكنه سيكون هامشيا وذا تأثير محدود، تم تحجيم قدرة المضاربين على التلاعب بالأسعار وسيطرت الأسواق على الاستهلاك الوهمي لبراميل النفط الذي كان يؤثر على الأسعار، لو كانت هذه العقوبات في عام 2008 لكان تأثير المضاربين أكبر على الأسعار".
وأرجع الدكتور أبا نمي الارتفاع في سعر برميل النفط الذي حدث في الـ29 من يونيو المنصرم إلى اتفاق دول منطقة اليورو على خارطة طريق لمعالجة مشكلة الديون الأوروبية مما خلق شعورا بنمو الطلب على الطاقة مع زيادة عجلة النمو في منطقة اليورو.
في ذات السياق قال كامل الحرمي الخبير النفطي الكويتي: سيكون للعامل النفسي محدود الأثر، وأضاف: الحالة الاقتصادية العالمية غير مريحة كما أن مقاطعة الخام الإيراني بدأت منذ ستة أشهر.
ويؤكد الحرمي أن بدء تطبيق العقوبات لن يكون له تأثير على إمداد الأسواق، وعلى سوق الطاقة من الناحية العملية، ويضيف: لدى كل من السعودية والإمارات والكويت فوائض إنتاجية لمواجهة زيادة الطلب على الطاقة.
وقال "كثير من الدول مثل الصين واليابان وكوريا التي كانت تشتري الخام الإيراني خفضت وارداتها منه وعوضتها بزيادة وارداتها من الخام السعودي".
وهنا يقول الدكتور أبا نمي إن السعودية ستبقي على سقف إنتاجها في حدود الـ10.3 مليون برميل يوميا، إن طبيعة الخام السعودي هو خام مصاحب، بمعنى كلما زاد إنتاج النفط زاد إنتاج الغاز، والزيادة في الإنتاج من الغاز تذهب إلى توليد الكهرباء مما يخفف استهلاك الزيت في إنتاج الكهرباء ويزيد من حصة التصدير من الخام.
ويتوقع الدكتور أبا نمي أن تتراجع صادرات الخام الإيراني إلى بنسبة 50% بدءا من اليوم ـ موعد سريان العقوبات ـ لكن الفائض في الطاقة الإنتاجية الإيرانية سيجد طريقه إلى الأسواق وستجد إيران عملاء لنفطها غير المؤمن وبأسعار متدنية أو ستلجأ إلى مقايضته ببعض السلع مما سيخلق نوعا من التوازن في السوق النفطية لناحية الطلب على الخام.
في حين يرى كامل الحرمي أن إيران لن تستسلم للعقوبات، وستحاول الالتفاف عليها وتضليل الدول التي فرضت العقوبات، حيث ستحاول خلط الخام الإيراني بمصادر نفط أخرى تنتجها الدول الصديقة للنظام الإيراني مثل النفط الروسي وبيعه على أساس أنه خام روسي أو فنزويلي مثلا مع أن كل مكوناته نفط إيراني.
كما استبعد كامل الحرمي المحلل النفطي الكويتي أن تقدم إيران على إغلاق مضيق هرمز واستفزاز العالم، قائلا "مضيق هرمز ليس خاضعا للسيادة الإيرانية، إنه ممر وشريان عالمي، والإيرانيون ليسوا في حاجة لمزيد من الأعداء، ولن يقدموا على خطوة مثل هذه لأنهم يدركون عواقب ذلك".
وأضاف الحرمي أن لدى السعودية كميات ضخمة من النفط المخزن في إيكيناوا والبحر المتوسط ونوتردام وغيرها من مواقع النفط السعودي يمكن أن يلجأ لها في حال حدثت مفاجآت في إمداد الأسواق بالخام.
ويقول جاري سميث مختص في بورصة لندن "حتى وقت قريب حاولت إيران أن تتجاهل التهديدات الأوروبية والأمريكية وتقلل من فاعليتها، وأصرت على أنها قادرة على إيجاد أسواق أخرى.
واعترف مسؤول إيراني قبل أيام بأن صادرات النفط تقلصت من 20% إلى 30%، وهذا يعني أن إيران ستدخل نفقا مظلما، وقد تتقلص مبيعات النفط إلى النصف مع بدء فرض العقوبات.
وتلجأ إيران إلى تخزين النفط في ناقلات في البحر ولكنها وبعد فرض العقوبات والتزام أوروبا التي تستورد خمس السوق العالمية من إنتاجها النفطي ستلقيه في الآبار وستضطر إلى وقف ضخ البترول إذا لم يرفع الاتحاد الأوروبي الحظر بعد أخذت أماكن تخزين النفط في النفاذ.
وستواجه إيران نقصا شديدا في عائدات العملة وقد يكون طويل الأمد وستضرب آثاره الضارة كل طاقاتها الإنتاجية.
ويقول البروفسير أشرف مشرف أستاذ الاقتصاد والسياسة في "كينجس كولج": "تم استخدام العقوبات الاقتصادية لردع إيران منذ عام 1979، وأثبتت هذه العقوبات فعاليتها في بعض الحالات وفي حالات أخرى، لم تكن فعالة، وهذا يتوقف على الوضع السياسي محليا ودوليا.
وقد رأى البنك المركزي الإيراني بالفعل من الآثار السلبية للعقوبات، ووضح ذلك من خلال أسعار الصرف وأسعار الفائدة الحالية التي تؤثر على تكاليف ممارسة الأعمال التجارية في إيران.
وباتت الشركات الصغيرة غير قادرة على الحصول على التسهيلات الائتمانية من المصارف، كما أن الحكومة ستعاني في توفير العملة الصعبة لشراء السلع المستوردة الضرورية من الأسواق الدولية.
وضربت العقوبات صناعة التأمين، وسيجد العديد من الشركاء التجاريين لإيران صعوبة بالغة في ضمان السلع المستوردة من إيران بتكاليف معقولة، ما يجعل البضائع والسلع الإيرانية غير قادرة على المنافسة العالية في الأسواق الدولية.
أما بالنسبة لقطاع النفط، فإن فرض العقوبات سيؤدي إلى خفض صادرات النفط الإيراني بنسبة تصل إلى أكثر من 30% ومن قدرتها الحالية المصدرة. وهذا يرجع إلى أن بعض دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تتحدى العقوبات السابقة تتخذ الآن موقفا متشددا ضد إيران بسبب دعمها للنظام السوري وموقفها المتشدد فيما يتعلق بالبرنامج النووي.
ويضيف مشرف" التدهور في الاقتصاد الإيراني سيزيد من الضغط الشعبي الإيراني ضد النظام، ويمكن أن ينتقل الربيع العربي إلى إيران التي شهدت ثورة مماثلة لتلك التي وقعت في تونس ومصر عام 2009، ولكنها قمعت قبل الانتشار في جميع أنحاء البلاد. ولكن الربيع العربي سيمتد إلى إيران عاجلا أم آجلا".
ويرى العديد من المحللين أن إيران تكتسب الكثير من قوتها ضد العقوبات الغربية بسبب قدرتها على تعبئة بعض أطياف الشعب والأنظمة الصديقة في جميع أنحاء العالم من خلال الدعاية المعادية للغرب. ولكن بطبيعة الحال، موقف إيران اليوم هو أضعف بكثير من ذي قبل، ليس فقط بسبب برنامجها النووي ولكن أيضا بسبب دعمها لنظام الأسد في سورية، التي جعلت كل دول العالم تقريبا، بما في ذلك تلك الموجودة في الخليج، غير متعاطفة مع التدخل الإيراني في سوريا.
ويشير شاشانك جوشي، المحلل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، في لندن إلى أن إيران شاركت في ثلاث جولات من المحادثات الدولية حول برنامجها النووي هذا العام، بعد الإصرار العام الماضي إلى أن برنامجها النووي لا يقبل التفاوض.
وأضاف جوشي "أعتقد أن العقوبات هي التي جلبت إيران إلى طاولة المفاوضات ومع دخول العقوبات حيز التنفيذ ستتراجع عن موقفها المتشدد لاستحالة التصدي للتحديات الخارجية والضغوط الداخلية".
ولكن هناك القليل من الشك حول تأثير العقوبات "على الحياة اليومية قبل شهر رمضان، والمواطن الإيراني يقوم عادة بتخزين المواد الغذائية للإفطار في رمضان". ويذكر أن أسعار الفاكهة والسكر، واللحوم ارتفعت إلى أربعة أضعاف وهي من العناصر الأساسية في المائدة الإيرانية.