أصيب المعارض العراقي جواد الشمري، الذي أمضى أكثر من 20 عاما في مخبأ تحت الأرض جنوب بغداد، خوفا من بطش النظام السابق، بحسرة لأن السلطات الجديدة لم توله اهتماما كغيره من المعارضين أو السجناء السياسيين أو المهجرين.
ولم يفلح الرجل الذي تحدث لوكالة "فرانس برس" بعد سنوات من خروجه من مخبئه، في الحصول على وظيفة، بينما لا تعترف الحكومة به سجينا سياسيا، ولم يحصل على أي تعويض يساعده وعائلته على كسب العيش.
ويقول الشمري الذي تقوس ظهره بعد جلوسه سنوات طويلة داخل قبوه ولم يجد إلا زراعة خضروات بسيطة لكسب عيشه: إنه يتمنى العودة إلى قبوه بسبب الإهمال الذي قوبل به من النظام الجديد.
وقد بدأ الشمري نشاطه السياسي في 1974 بانضمامه لحزب الدعوة عندما كان طالبا في المرحلة الإعدادية، وأصبح مطاردا بسبب انتمائه لهذا الحزب المحظور، وصدر بحقه حكم غيابي بالإعدام، ولم يكن أمامه متسع من الوقت للإفلات من حبل المشنقة، لذلك قرر بعد مرور نحو سنة من الاختباء حفر قبو تحت منزل العائلة لا يزيد عمقه على مترين وعرضه متر ونصف.
وحادثة خروج الشمري من هذا القبو بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003 واحدة من أكثر القصص إثارة؛ إذ إنها قدمت صورة واضحة عن معاناته وقسوة وسطوة نظام حزب البعث ضد المناوئين له.
ويعيش الشمري الذي يبلغ من العمر نحو 50 عاما في ظروف من الكفاف والضيق المادي، ويقول: "إنها أيام أسوأ من تلك التي عشتها في الحفرة عندما كنت معارضا في عهد النظام السابق".
ويضيف أن "السنوات السوداء التي عشتها في تلك الحفرة أهون عليّ من ضنك العيش الذي أمر به حاليا"، معتبرا أن "ظلم القربى أشد مضاضة" في إشارة إلى المعارضين السياسيين الذين وصلوا إلى سدة الحكم.
ويروي الشمري أنه أمضى سنين الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وهو يستمع لنشرات الأخبار في مذياعه الصغير، مؤكدا أنه كان وحيدا لأن والدته وإخوته لم يكونوا يجرءون على زيارته في قبوه.
ويوضح أن تهوية المكان كانت تتم عن طريق أنبوب بلاستيكي مدته والدته من القبو إلى الخارج، ويؤكد هذا السجين الفريد من نوعه أنه عاش ظروفا صعبة، لكن أقسى ما واجهه كان تنفيذ عقوبة الإعدام بحق أخيه، ثم وفاة شقيقته.
وتقول والدته أم جواد التي تقدم بها السن: "قاسيت أنواعا من العذاب من أجل الحفاظ على ولدي".